وصل بعض الرؤساء إلى سدّة الرئاسة في لبنان من دون أن يكونوا زعماء شعبيين. ووصل سواهم استناداً إلى حيثياتهم الشعبية. من دون أن يعني ذلك أن شعبيتهم، هي، وحدها التي أوصلتهم. فالرئيس في لبنان نادراً ما يكون صناعة لبنانية مئة في المئة. فاليد الخارجية كثيراً ما يكون لها فعل السحر.
الواقع أن الرؤساء من ذوي الشعبية الكُبرى قلما تمكنوا من إبعاد الكأس المرّة عن شفاههم، ولنبدأ بمرحلة الاستقلال حتى اليوم.
الرئيس الشيخ بشارة الخوري كانت شعبيّته عابرة الطوائف وكان أحد الزعماء الكبار في البلد. ولكنّ الزعامة والشعبية لم تشفعا به عندما اضطُرته الثورة السلمية التي قادتها المعارضة، بقطبَيها كميل شمعون وكمال جنبلاط ورفاقهما، إلى ترك الحكم في منتصف الولاية الثانية المُمددة.
الرئيس كميل شمعون الذي تحوّل خلال ولايته إلى زعيمٍ وطنيٍ كبير واجه في السنة الأخيرة ثورةً عارمة انقسم لبنان خلالها إلى فريقَين: مع الرئيس وضدّه. وصدف أنه واجه ظروفاً إقليمية ودولية استثنائية الأهمية والخطورة، من العدوان الثلاثي على مصر، إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة، وطغيان شعبية جمال عبد الناصر في الأُمة العربية، إلخ… صحيح أن شمعون لم يستسلم، وبقيَ يُقاتل في قصر القنطاري الرئاسي حتى اللحظة الأخيرة من ولايته ضد أحداثٍ دموية عُرفت بثورة 1958، ولكنّه اضطُر إلى أن يُوافق على خليفةٍ لم يكن يرغب فيه.
الرئيس فؤاد شهاب لم يكن زعيماً شعبياً، ولكنه كان قوياً، ومصدر قوّته علاقته بالجيش. بدأ عهده وانتهى بامتعاضٍ مسيحيٍ كبير، إلى درجة أن البطريرك الماروني آنذاك بولس المعوشي الذي آزره ودعمه بشدة في البداية، أمسى في طليعة معارضيه في السنتَين الأخيرتَين، رافضاً تدخّل جهاز المخابرات (المكتب الثاني) في كلّ شاردة وواردة، وفي كل صغيرة وكبيرة، من تعيين عضو المجلس البلدي إلى التدخّل في الانتخابات وتركيب لوائحها، والعمل ضد المعارضين.
الرئيس سليمان فرنجية الذي كان يحظى بزعامة شعبية تخطّت زغرتا والشمال، واجه «حرب المخيّمات» (الفلسطينية)، ثم «حرب السنتَين»، واضطر إلى تنازلَين كبيرَين: الأول أن يُوافق على انتخاب خليفته إلياس سركيس قبل نحو ستة أشهر من انتهاء الولاية، والثاني أن يُغادر قصر بعبدا إلى القصر البلدي في الزوق وتحويله إلى مقرٍ رئاسيٍ موقّت.
الرئيس بشير الجميل استُشهد قبل أن يتسلم. وهو كان صاحب الزعامة الطاغية والقيادة المميزة والطموح الكبير.
الرئيس أمين الجميل، لم يستطع أن يُنهي عهده بانتخاب الرئيس الخلف.
الرئيس ميشال عون جاء من خلفية زعامة تكاد تكون الأكبر في تاريخ لبنان، وأمضى ما مرّ حتى الآن من عهده في تعذّر القدرة على تشكيل حكومة إلا بشقّ النفس، مع فارق بينه وبين أسلافه وقد ذكرنا منهم فقط الذين يوصف كلٌ منهم بأنه «الرئيس القوي»، إذ إنه كان يملك صلاحيات دستورية شبه مُطلقة.
سِقنا ما تقدّم لنقول إن لبنان بلد التسويات، ولا تسير الأمور فيه إلا بالتوافق، وما عدا ذلك، فالمآزق والأزمات.