بعبدا لم تضع «فيتو» على الحريري… لكنها تستعجل الحسم
هل ستشهد الايام القليلة المقبلة جولة جديدة من المساعي والجهود لاحداث خرق جدي في جدار الازمة الحكومية؟
هذا السؤال طرح بعد المعلومات التي جرى تداولها مؤخرا عن اتصالات وحركة ستبدأ بعد عيد الفطر سعيا الى استئناف المفاوضات حول النقاط والعقد العالقة بين الرئيسين عون والحريري، لا سيما ما يتعلق بالخلاف على وزارتي العدل والداخلية وتسمية الوزيرين المسيحيين الاضافيين في صيغة حكومة الـ ٢٤ وزيرا.
وتقول المعلومات ان الرئيس بري لم يحرك موتور اتصالاته بعد بانتظار عودة الحريري من اجازته الخاصة في الخارج، لكنه يعتزم استئناف مساعيه في اطار مبادرته التي ما زالت على الطاولة والتي تحظى بتشجيع باريس. وهو يعوّل على ابداء بعبدا وبيت الوسط مرونة ورغبة ملموسة في المساعدة على حسم العقد العالقة والتلاقي عند منتصف الطريق.
ويركز بري على تخفيض سقوف مواقف ومطالب كل طرف والاتفاق على حل وسط ينتج الصيغة المتكاملة للحكومة. وقد عكس ذلك بيان المكتب السياسي لحركة أمل أمس بالقول «ان الوقت حان للتراجع عن السقوف العالية من اجل مصلحة اللبنانيين، وانجاز تشكيل الحكومة للنهوض بورشة استدراك الانهيار الشامل».
ولاحظت مصادر سياسية ان البيان لم يؤشر او يلمح الى تحميل طرف معين مسؤولية التعطيل كما ورد في البيان السابق الذي اعتبر بأنه موجه الى الرئيس عون والتيار الوطني الحر، مشيرة الى ان هذا الامر عنصر مشجع ويبعث على الاعتقاد بان هناك اجواء ملائمة لاستئناف مسعى رئيس المجلس لا سيما بعد تلقيه اتصال المعايدة بعيد الفطر من الرئيس عون.
وتؤكد المعلومات ان بري ينطلق في مسعاه اليوم من ان الوقت اصبح عاملا ضاغطا للغاية، وبالتالي لم يعد مقبولا الاستمرار في دوامة التجاذب حول بعض الاسماء والحقائب في ظل تدحرج الوضع الى الهاوية بشكل دراماتيكي سريع.
ويتطابق موقف جنبلاط مع الحريري حيث غرد امس محذرا من « ان الانهيار مستمر اذا لم تشكل حكومة ببرنامج عمل… ولا افق الا بتجاوز الحساسيات الشخصية والحسابات الاقليمية».
وفي المقابل يرى مصدر سياسي بارز ان الاجواء السائدة حتى الان لا توحي بانفراج قريب رغم ما سعى ويسعى اليه الرئيس بري، لافتا الى انه لم يصدر بعد عن كل من ألرئيسين عون والحريري أية اشارة جديدة تدل على تغيير ايجابي في مواقفهما، ويضيف «علينا ان نراقب ما سيصدر او يرشح عنهما خلال الايام المقبلة ليبنى على الشيء مقتضاه، فالمشكلة تكمن اولا واخيرا في تكوين الثقة بين الرجلين، والا فاننا ندور في حلقة مفرغة».
ووفقا للمعلومات المتوافرة فان مسألة اعتذار الحريري وضعت جانبا ولم تعد قيد التداول في الوقت الحاضر، رغم انه لم تحصل اية تطورات ايجابية في المواقف ببن الطرفين المتخاصمين او على صعيد وضع كل طرف، ما يعزز الاعتقاد بأن الحديث عن الاعتذار لم يكن سوى محاولة جس نبض متبادلة بين المبادر والمتلقي في آن معا، بمعنى ان بيت الوسط بدا اولا ان كان من بادر الى رمي هذه المعلومة ثم تراجع عنها لاحقا، وان بعبدا تلقفتها وتعاملت معها على انها خيار مطروح اذا ما بقي الحريري يدور حول نفسه مراهنا على فتح ابواب السعودية امامه مجددا.
اما الحديث او التسريبات الاخيرة عن استبداله بالرئيس ميقاتي فهو برأي المصادر المطلعة مجرد اخبار غير مؤكدة من اي مصدر معني او على تماس مباشر بعملية تشكيل الحكومة، وقد يكون ايضا اختبارا لرصد ردود افعال بعض الجهات المعنية او رسالة من احد الاطراف الى اكثر من طرف، وترى المصادر ان الجواب كان سريعا، فلا الحريري علق او توقف عند « الخبرية»، ولا ميقاتي تعامل معها، عدا عن التأكيد بأن الثنائي الشيعي لم يزل يؤيد الحريري ولا يحبذ استبداله او طرح فكرة الاعتذار.
ويقول مصدر نيابي مقرب من ميقاتي ان هذا الموضوع لم يطرح معنا لا مباشرة ولا تلميحا، وان المسألة ليست مسألة اشخاص او استبدال اسم باسم بقدر ما هي مسألة حكومة وكيفية تكوينها وبرنامج عملها وآفاق نجاحها، فلا الحريري قرر الاعتذار ولا ميقاتي طرح نفسه بديلا او يقبل بمثل هذا الطرح في ظل الواقع القائم.
وهلى الرغم من التكتم على مضمون رسالة الرئيس عون الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فان ما تسرب من معلومات واجواء محيطة بالرسالة تؤشر الى ان رئيس الجمهورية يريد ان يؤكد من خلالها لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي الاخيرة غير المشجعة تمسكه بالمبادرة الفرنسية وحرصه على نجاحها، وانه لا يضع شروطا او فيتوات من شأنها ان تؤثر عليها سلبا، لا بل يبدي رغبة جدية وصادقة بالانفتاح والتعامل بكل ايجابية لتشكيل الحكومة في اسرع وقت.
اما موقفه من الحريري فهو موضع تأويلات وتفسيرات عديدة، فمنهم من يعتقد بأن عون يسعى الى احراج الحريري لاخراجه، ومنهم من يؤكد انه لم ولا يضع فيتو عليه بدليل انه تعامل معه منذ تكليفه بعد الاستشارات النيابية الملزمة بموضوعية وعقد معه عددا كبيرا من اللقاءات والاجتماعات في سبيل تأليف الحكومة، وهو ابدى ويبدي كل استعداد للاجتماع معه مجددا لمناقشة والاتفاق على التشكيلة الكاملة على ضوء الملاحظات التي ابداها في آخر لقاء بينهما.
وتقول مصادر مطلعة ان عون مستعد لاستئناف المحاولات مع الحريري ولا يضغط اليوم باتجاه الدفع الى اعتذاره، لكن استمرار انسداد الآفاق أمام تشكيل الحكومة قد يخلق اجواء بعد اسابيع قليلة يصبح فيه اعتذار الحريري خيارا مطروحا ومطلوبا في بعبدا.