لم يُحرز الإعتماد على تدخل الصديق بري تقدماً. فمعركة البيانات استعرت بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، ما يعني أن الرهانات على ولادة الحكومة في وقت قريب غير واقعية.
كان تسليم الأمين العام لـ”حزب الله” دفة تسهيل التشكيل بالتواصل بين طرفي النزاع الحكومي خطوة ملفتة. واعتقد كثيرون ان “الحزب” الذي نأى بنفسه طويلاً عن معمعة التأليف قد حسم موقفه وانتقل مسافةً الى الأمام، تسهيلاً لولادة الحكومة المنتظرة انطلاقاً من ثابتتين: الأولى تمسكه بسعد الحريري رئيساً لها والثانية ثباته على دعم رئيس الجمهورية وتحالفه معه. لكن “الحزب” لم يقل شيئاً مفيداً أكثر من موقفه المبدئي. لا هو شرح أسباب الخلاف للعمل على معالجتها، ولا حمّل المسؤولية عنها لطرفٍ بعينه، واكتفى بنقل المشكلة الى عين التينة ليتولى رئيس المجلس النيابي التعامل معها من دون أن يزوده بالأدوات اللازمة لفكفكتها.
ولم يكن ينقص بري مهمات جديدة، فهو أصلاً بادر الى طرح حلول ووجهت بالرفض، والتقى في مبادراته السابقة مع كثير من القيادات بمن فيها الحريري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية ونائبه ايلي الفرزلي… أما الإضافة التي كان ينتظرها بري لدى تكليفه من قِبَل “حزب الله”، فهي ان يقوم “الحزب” بدوره في إقناع حلفائه في التيار العوني بتسهيل مهمة بري على الأقل، اذا كنا سنتجنب الحديث عن تسهيل مهمة الحريري.
الا ان مسؤولي “الحزب” المذكور واصلوا خطابهم “المبدئي” الذي لا يتعامل مع المشكلة وكأنها في بلد آخر. وها هو الشيخ نعيم قاسم نائب أمينه العام يروي لوكالة “تسنيم” الايرانية انه “لا يمكن تشكيل الحكومة من دون تنازلات متبادلة لمصلحة الوطن”، وأن “وضع البلد (لبنان) لا يتحمل إعطاء الأولوية لتكريس أعراف ومكتسبات طائفية، وممارسة الضغوطات على حساب جوع الناس ووجعهم”.
كثيرون يقولون مثل هذا الكلام الذي لم ينفع في تغيير الأوضاع مليمتراً. لكن ان يكرره “الحزب” الذي يهيمن واقعياً اليوم على السلطات الرسمية في “هذا البلد”، فهذا يعني أنه راضٍ عن الأمور كما هي عليه حتى الآن، ولو كانت النتيجة إحراق بري لأصابعه، وغرق لبنان في فساد حاكميه.