لعله من المبكر إجراء تقويم دقيق لمنجزات الإنتفاضة اللبنانية المتوقدة منذ ما يربو عن المائة يوم. غير أن هزّ عروش السلطة والثنائيات والأحاديات أصبح واضحاً للعيان وينضح بما فيه، ويتطور ويصل إلى اهتزاز العلاقة بين “أهل البيت”.
فالأزمة المعيشية والنقدية المتفاقمة تلقي بثقلها على المواطن، وسط تساؤلات حول الحلول التي يمكن ان يخلص اليها أركان السلطة، فالانتفاضة المستمرة منذ 17 تشرين من دون توقف، لم تزل بارقة الأمل لدى معظم اللبنانيين في ان تفرض تغييراً في بنية السلطة ونظام الحكم الذي جرى اختزاله بنظام المحاصصة وبقواعد حكم فيدرالية الطوائف بوصاية وتنظيم “الأخ الأكبر”.
على رغم ان السلطة لم تزل تدير ظهرها لمطالب المنتفضين، الا ان ذلك لا يقلل من شأن ما احدثته الانتفاضة من وقائع جديدة في الحياة العامة وفي العملية السياسية التي بات يصعب ان تبقى بمنأى عن التحولات التي يشهدها المجتمع اللبناني على المستوى السياسي والاجتماعي، فالمكابرة التي تسم سلوك اطراف السلطة، غير قابلة للاستمرار طالما ان هذا السلوك يفاقم من الأزمة، فيما الحلول الفعلية باتت تتطلب تغييراً يطال النظام الزبائني الذي تقوم عليه قواعد السلطة، والذي بات استمراره يعني بالضرورة انهيار المؤسسات الاقتصادية والرسمية والدولة على وجه العموم.
العملية التجميلية كبديل للعملية الاصلاحية الجدية، هو ما يحاول بعض اطراف السلطة السير به، عبر محاولة المحافظة على معادلة السلطة التي يديرها ويوجهها حزب الله من جهة، والتضحية ببعض الحلفاء عبر جعل نفوذهم في السلطة كبش فداء العملية الاصلاحية. في الرسالة التي وجهها الرئيس نبيه بري الى محازبيه في حركة أمل، ما يشي من مخاوف لديه تصب في هذا المسار، فمقولة “الطعن بالظهر” من قبل “بعض الحلفاء” كانت ابرز ما ورد في الرسالة، بل الرسالة الأبلغ الى من اعتبرهم يقومون بعملية غدر ضده وضد حركة أمل، غدر الحلفاء هذا لم يكن المنتفضون مقصودين منه بالطبع ، ولا اولئك الذين تظاهروا في الشوارع ضد “كلن يعني كلن” ولا رئيس الجمهورية الذي لم يكن يوماً حليفه ولا صهره الذي اغدق على بري اوصافاً مهينة لم يجرؤ أشد خصومه على قولها، انما قصد الرئيس بري على الأرجح الحلفاء الذين أوصلهم وأوصلوه في مسار الحكم والسلطة منذ عقود.
ليس النائب اللواء جميل السيد الحليف، فما بين الرجلين من المناوشات والتربص المتبادل، بل من الفارق في الوزن والموقع ما يحول دون وصف بري له بالحليف، هذا اذا كانا على وئام. واذا كان البعض اشار الى ان النظام السوري هو من يقوم بهذه الطعنات في ظهر حركة امل التي نمت وترعرعت في مرحلة سابقة برعاية الأسد ومعاونيه من الأب الى الابن، فان الركون لهذه المقولة مستحيل، لمن يعرف كيف هي احوال الأسد اليوم، وما هي قدراته التي باتت منعدمة التأثير في لبنان، اللهم الا اذا كان “حزب الله” يعمل على ادارة اللعبة ويستخدم القناع السوري في مواجهته للرئيس بري.
فالعارفون بموقع “حزب الله” على الصعيد اللبناني، يؤكدون ان “حزب الله” وايران من خلفه، يعتبران ان لبنان مسؤولية ايرانية، وان مطالب الاسد تتحقق في لبنان من خلال “حزب الله” وليس من وراء ظهره، ويشير احد هؤلاء، الى ان الحكم على الوزير السابق ميشال سماحة بالسجن، بعد جريمة تخطيط ونقله سلاحاً ومتفجرات بهدف إحداث فتنة، لم يكن حكماً وعقاباً لجريمة نقل المتفجرات، بل بسبب تجاوز اتفاق ضمني بين الاسد و”حزب الله” بأن الساحة اللبنانية هي مسؤولية “حزب الله”، لذا فان “حزب الله” لم يكن عائقاً امام محاكمة صديقه وحليفه سماحة ليعطي درساً للبقية من الذين قد تسول لهم انفسهم اللعب من ورائه في المسائل الأمنية في لبنان.
بهذا المعنى فان ما يتداوله مناصرو بري في حلقاتهم الحزبية وبين مناصريهم، ان “حزب الله” هو المقصود بكلام بري عن الطعن بالظهر، ويدرك هؤلاء الذين سلموا ميدانياً الكثير من مقاليد القيادة للثنائية الشيعية لـ”حزب الله”، ان العلاقة تحتاج الى اعادة ترتيب وتنظيم وتحديد آفاقها المستقبلية، في ظل ما يعتقدون ان حزب الله يدير عمليات التحريض ضد الرئيس بري وعائلته.
المخاوف لدى مناصري “حركة أمل” تكمن في أمرين: محاولة تحويل الرئيس بري وعائلته الى “كبش فداء في ما يسمى اصلاحاً، وهو تصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية” هذا اولا، ومحاولة قضم حركة امل وجعلها عملياً تحت مظلة “حزب الله” في مرحلة ما بعد الرئيس بري، وهذا ثانياً.
يعتقد بعض مناصري حركة أمل، حول العلاقة التحالفية مع “حزب الله” في المرحلة السابقة، ان الرئيس بري قدم الكثير لـ”حزب الله”، ويؤكد أحدهم ان وقوف الرئيس بري مع “الحزب” والسيد نصرالله شكل الدرع الأهم لحمايته، اما اليوم فإننا نجد بحسب تعبير المناصر نفسه، ان “حزب الله” لا يبدو ممتناً لما قام به الرئيس بري وحركة امل اللذان استنزفا في مسار الذود عن “حزب الله”، ويضيف لم يظهر “حزب الله” اي موقف جدي يظهر من خلاله ان التحالف مع حركة امل هو في السراء والضراء، وليس مجرد وسيلة لتحقيق مصلحة حزبية، فالتحالف ايضا كان مكلفاً لحركة أمل لكنها سارت به مقتنعة، فهل بات “حزب الله” يرى في هذا التحالف وتوازنه عبئاً عليه يريد التخفف منه، وهو ما جعل الرئيس بري يحذر من طعنات الحلفاء في الظهر؟