IMLebanon

منظّمة إبليسية ومنظومة مُتأبلسة

 

ما زالت تدور رحى فصول مسرحيات الرّفع، رفع الحصانات ورفع الدعم، في الساحات: البرلمانية والشعبية والسياسية. والناس تُستَنزَفُ يوما بعد يومٍ بمواردها الصحّية: جسدية ونفسية، والمادية: عامة وخاصة، والمعنوية: وطنية وسياسية. والمحرّكات الشعبية كلّها منطفئة، بالكاد تدور يوماً، ثمّ تعود لتنطفئ أياماً، لا بل شهوراً. وأهل المنظومة والمنظّمة يسرحون ويمرحون. يبحثون في كيفية اقتسام ما تبقّى والآتي.

 

وسط ذلك كلّه، تُضخُّ موجات تفاؤلية بين الناس لامتصاص غضبهم، لكن تتابع الأحداث لا يُنبِئ بذلك. أعلن الرئيس ميقاتي أنّه تمّ التوصّل في لقائه الأخير مع فخامة الرئيس إلى اتفاق حول توزيع الحقائب بإبقاء “القديم الحريري” على قدمه. مع تسهيل هذه المهمّة من قبل النائب السابق وليد جنبلاط ودولة الرئيس برّي. واليوم البحث في عملية إسقاط الأسماء. أيّ أننا سندخل في خلاف جديد حول طرح بعض الأسماء بناء على درجة ولائها للمنظومة الحاكمة. ولا يبدو أنّ فريق رئيس الجمهورية سيقبل بأيّ مساومة في هذا الخصوص؛ كذلك “حزب الله” الذي بات أمام واقع قبِل به على مضَض، وهو التخلّي عن التعطيل والقبول بأيّ شكل من أشكال الحكومة التي قد تريحه من ضغط شارع بيئته الحاضنة.

 

وفي هذا السياق، بدت لافتة التحرّكات الاحتجاجية في مناطق نفوذ الثنائي المغلَقَة والتي كانت تُعتَبَر عاصية على أيّ تحرّك. فما شهدناه من تحرّكات أمام المنشآت النفطيّة في منطقة الزهراني سيكون عرضة لأن يُعَمَّمَ في مناطق الثنائي. فالناس عندما يجوعون سيأكلون حكّامهم الظالمين. وعندها ستُكسَرُ هالة الإطباق على مجتمع بكامله. لذلك، أجرت هذه السلطة اختباراً شعبياً لموضوع رفع الدعم وهي لا بدّ واصلة إلى هذه المسألة. وعندها ستكون لحظة الارتطام. ولن تستطيع السلطة ردع غضب الناس إلا بتحويلها البطاقة التمويلية إلى بطاقة انتخابية تجعلهم طيّعين مرّة جديدة بيدها بواسطتها. ويبقى في هذه اللحظة المرتقبة قريباً انتظار ردّ الفعل الشعبي على هاجس المنظّمة والمنظومة. لتعود فتبني على تحرّكهم مقتضيات عملها.

 

وحتّى وجع الناس وجوعهم شكّلا نصاً مسرحياً، عمل على إخراجه رئيس “التيّار الوطني الحرّ” في مسرحية ممجوجة ومدروسة وممنهجة بالتعاون مع منظومته الحاكمة. وفي هذا العمل غايات انتخابية وبطولات وهمية فاشلة. لم تعد تنطلي سوى على السذّج الذين ما زالوا مقتنعين بصوابية خيارات هذه الطبقة الحاكمة.

 

ويجب عدم إهمال تحرّك الناس في دعم المحقّق العدلي وتحرّك السلطة لردع أهالي الضحايا قبل ليلة من جلسة العار لرفع الحصانات النيابية بإقرار العريضة التي تحاول المنظومة الالتفاف بواسطتها على عمل القاضي. ولن يبقى لهذه السلطة رجالات تطيع أوامرها وتشكّل أداة قمع بيدها للناس الجائعين لأنّهم هم أنفسهم قد جاعوا. وما نحن قادمون عليه نتيجة لشحّ مادّة المازوت في السوق سيكون فتيلا جديدا لتفجير الشارع من جديد.

 

وإذا ما استمرّت هذه السلطة بالانقلاب على المحقّق العدلي بموضوع رفع الحصانات فهي حتما ستواجَه بموجةٍ جارفة من الناس الثائرين والغاضبين. من هنا، حذارِ أن تختار هذه المنظومة من بين أركانها قلّة قليلة لتكون كبشاً تفدي به نفسها، لتفلت بما تبقّى لها من قدرة على الاستمرار بنهجها.

 

لذلك كلّه، تراقب المنظومة والمنظّمة سقوط بعديهما الإقليمي الممتدّ من الشام إلى بغداد فطهران على وقع رفض الأخيرة تزويد بيئة “حزب الله” بالمازوت والبنزين والغاز بسبب الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها إيران في ظلّ الحصار الاقتصادي عليها، حيث قدّرت تكلفة إرسال المحروقات إلى لبنان ب600 مليون دولار، ومن المستحيل أن تتحمّل إيران هذه الخسائر. ما يعني ذلك أنّ الجمهورية الاسلامية بدأت تطبيق المثل اللبناني الشائع: “بحبّك يا إسوارتي بس مش أكتر من زندي”.

 

وإن دلّ ذلك على شيء فعلى أنّ كبش الفداء الإيراني بات واضحاً لا سيّما في ظلّ تعثّر المفاوضات بشكل كامل. وهذا ما قد يفتح كوّة في جدار الأزمة الحكومية في لبنان. لكن من المستبعد أن يخضع الطرف الأميركي لهكذا نوع رخيص من الإبتزاز السياسي.

 

يبقى أنّ القاضي بيطار قد تثبّت من دعم الشارع المسيحي القوي برلمانياً والسيّد شعبياً، وأعني هنا حزب “القوات اللبنانية” الذي بمقاطعته المبدئية لا الشعبوية لجلسة العار، وبفرضه أمراً واقعاً في إشكال الجميزة، كرّس واقعا جديدا في الساحة اللبنانية عامة. وبات بيطار يسند ظهره إلى حليف متين لا يبتزّه بأيّ ملفّ، بل جلّ ما يريده منه هو كشف الحقيقة كاملة. من هنا، لا يكفي إظهار النية الحسنة التي أبداها فخامة الرئيس بالمثول أمام المحقّق العدلي. المطلوب أفعال وليس أقوالا. لتكرّ بعدها السبحة على الجميع.

 

لذلك كلّه، معركة رفع الحصانات مستمرّة وحذارِ أن تستعمل هذه المنظومة موضوع رفع الدعم لحرف الأنظار عن القضية الجوهرية لأنّ ذلك سيصيبها مقتلاً في جوهرها. ولا حلّ قريباً في لبنان سوى بتحرّك شعبي ضخم مستمرّ لا ينتهي بيوم واحد كما حصل في الذكرى السنوية الأولى لجريمة تفجير مرفأ بيروت. على أن تتمّ ترجمة هذا التحرّك مؤسساتيا في الانتخابات القادمة قبل أن تنجح المنظّمة الإبليسيّة بتطييرها بحدث أمني ما خدمة للمنظومة المتأبلسة التي تديرها.