Site icon IMLebanon

برّي زمان لم يعد كما كان… خطاب هزيل و”حركة” تفتّش عن بديل!

 

من يسمع خطاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر أو في خطابات سابقة، يظن أنه يستمع إلى قوّة جديدة ناشئة من المجتمع المدني.

لا شكّ أن ذكرى إختفاء الصدر تُشكّل مناسبة وطنية حزينة نظراً لما كان يتمتّع به من مزايا وطنية كبرى، لكنّ برّي فاته شيء أساسي وهو أن الإستثمار في الذكرى لم يعد نافعاً، خصوصاً وأن أقرب المقرّبين من عائلة الصدر ورفيقيه يتهمونه بأنه لم يعمل ما يكفي للكشف عن مصير الإمام المغيّب.

 

إنكسرت صورة برّي في هذه الذكرى، وبدا ضعيفاً شكلاً ومضموناً، ففي الشكل غابت الجماهير التي كانت تحضر كل سنة إذ إن التحجج بـ”كورونا” لم يعد يجدي نفعاً، حيث أن الكثيرين من قدامى حركة “أمل” يؤكدون أن “دولة الرئيس بدأ يفقد السيطرة على الأرض وغير قادر على الحشد، وهمّ الناس ليس الإستماع إلى خطابات بل تأمين المحروقات والأكل والدواء”، وكذلك فإن المشاكل تكثر بين مناصري “الحركة” في الجنوب، ولم تعد القيادة الحالية قادرة على ضبط جماعتها.

 

من يريد أن يعرف حجم المأزق الواقع فيه “دولة الرئيس” عليه أن يستمع أولاً إلى صرخات موظفي الدولة الذين دخلوا بواسطته إلى جنّة الإدارات، فهؤلاء لا يكفيهم معاشهم لتعبئة المحروقات، وعليه أن يستمع أيضاً إلى معاناة جمهور “أمل” في الجنوب والبقاع والضاحية، وهذه المعاناة أدّت إلى وجود نقمة كبيرة على طريقة مشاركته في إدارة البلاد، وليس عادياً أن يصرخ ابن النبطية أو صور أو بنت جبيل ضد المنظومة الحاكمة التي يُعتبر برّي رأس حربتها.

 

لم يستطع برّي شدّ العصب على رغم أهمية ذكرى الصدر، فهو الذي كان يُعتبر حاكم لبنان طوال فترة الوصاية السورية وبعدها، وها هي الأرض تهتز تحت أقدامه، وقد فقد دوره كصمام أمان وبدأ الجميع داخل بيئته يتجرأ عليه، وأكبر دليل على تراجعه في السياسة الداخلية هو فشل وساطته في مسألة تأليف الحكومة بعدما كلّفه فيها السيد حسن نصرالله علناً، فتراجع “حزب الله” بعدما اكتشف أن بري غير قادر على تحقيق خرق وكلّف إبن طائفته المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قيادة الوساطة الأخيرة.

 

وأمام دخول زعامة برّي مرحلة “الشيخوخة”، فإن حركة “أمل” تعيش صراعاً داخلياً حول من سيرث برّي في حال تنحى خصوصاً في ظلّ غياب رجل واحد بارز داخل “الحركة” ما يدل على أن المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالمشاكل الداخلية على المستوى القيادي، في حين تبرز التوقعات بأن يرث “حزب الله” القسم الأكبر من جمهور “امل”.

 

لا شكّ أن سياسة برّي أدّت إلى نفور عدد من الشخصيات وخروجها من كنف “أمل” أمثال محمد عبيد ومحمد عبد الحميد بيضون، وبالتالي فإن كل هذه الصراعات وعدم الرؤية مع تراجع قوّة برّي ستؤدّي حكماً إلى تضعضع قوّة “الحركة” وفعاليتها.

 

لا يكفي أن يوجّه برّي سهامه باتجاه العهد لكسب شعبية أو تعويم نفسه، وهو رجل النظام الأول ومديره منذ ما بعد “الطائف”، وإذا كان العماد ميشال عون يتحمّل مسؤولية في مرحلة معينة فإن برّي يتحمّل المسؤوليات في أكثر من مرحلة، و”أهل البيت” أكبر شهود على ما فعل طوال السنوات الماضية، علماً أن نظام الحكم في لبنان ليس رئاسياً بل هو برلماني، وبري رئيس المجلس منذ العام 1992.

 

وتوجّه سهام الإتهامات إلى “الإستاذ” خصوصاً أنه كانت هناك فرصة إنقاذية مع مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار المرفأ، فلعب بري والرئيس سعد الحريري لعبتهما من خلال تمسّك بري بوزارة “المال” للشيعة ورفض الحريري لذلك، فطارت المبادرة، ليُكتشف لاحقاً إتفاق على تعطيل مهمة السفير مصطفى أديب بدعم من “حزب الله”.

 

وأكبر دليل على تفلّت شارعه، هو عدم قدرة برّي على ضبط شبابه بعد هجومهم على مغدوشة ما سبّب إحراجاً كبيراً للنائب في كتلته ابن مغدوشة الدكتور ميشال موسى، واللافت أن حدثاً بهذه الأهمية لم يأتِ برّي على ذكره على رغم أنه كاد أن يؤدّي إلى فتنة بين مغدوشة وعنقون، وكان أفضل ربما لو ذكّر بجملة الإمام الصدر التاريخية أيام الحرب الأهلية: “أي رصاصة تُطلق على دير الأحمر كأنها تُطلق على عمامتي”.

 

ويُعتبر برّي من أهم القوى التي ضربت الثورة خصوصاً أنه غطّى جماعة “شيعة شيعة” الذين هجموا على الثوّار في كل لبنان، وقد تجدّد الهتاف إياه منذ أيام في مغدوشة، حيث لا ثوّار ولا من يثورون، بل الجماعة نفسها حاضرة عند كل “محطة” متسلّحة بعدة العنف والهتاف.

 

ويقود برّي معركة ضرب التحقيق في انفجار المرفأ مستعملاً حنكته البرلمانية، وبدل أن تشكّل ذكرى إختفاء الإمام الصدر مناسبة لطلب التحقيق، ها هو يهاجم المحقّق العدلي طارق بيطار، ويبادر عبر مجلس النواب إلى لعب دور “حامي منظومة النيترات”.

 

يحنّ برّي إلى زمن “الترويكا” ويعلم أن الأرض تغيرت من تحت قدميه، فهو وعلى رغم عدم الودّ مع النظام السوري إلا أنه يحاول إحياء المنظومة نفسها التي حكمت لبنان في مرحلة الإحتلال السوري، والتي أوصلت سياساتها لبنان إلى الإنهيار.

 

فهو صاحب مقولة “عالسكين يا بطيخ” أي إنّ طائفته أولاً ومصالحه أيضاً، وبالتالي فإن كل محاولات التمييز بين بري و”حزب الله” ضعيفة ولا توجد إلا في مخيّلة من لا يعلم جيداً التركيبة السياسية.