في مهرجان احياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، كان الرئيس نبيه بري في وجوده الشخصي وفي خطابه السياسي، حيث يجب أن يكون: مع الناس في وجعهم ومعاناتهم، ومعهم في آمالهم وطموحاتهم. وهي الصورة الموروثة نفسها لما كان عليه الإمام المغيّب – الحاضر موسى الصدر الذي استلهم القوة الفاعلة من ايمانه بالله وبالناس. وكما كان موسى الصدر إمام الوطن، هكذا كان نبيه بري إماماً في حمل هموم الوطن على كتفيه، والعمل بهمّة لا تعرف الكلل لحلّ مشاكله، والوصل بين بنيه… من وقع منهم في المغالاة، أو سقط في السلبية، أو انزلق الى العبث، أو استطاب الدلع!
من انتظر من الرئيس بري خطاباً نارياً يرد فيه على محبّي المباطحة والنقار السياسي، فهو لا يعرف حقيقة الفكر السياسي الذي يحمله ولا طبيعة النهج الذي يتبنّاه. القوة قد تكون غاشمة أو مستنيرة. وكما كان الإمام الصدر يوظف كل مصادر القوة للوصل بين الناس، ومدّ جسور التفاهم بينهم، والعمل على حلحلة العقد وتذويب المشاكل، ورصّ الصفوف في اطار وحدة الوطن، هكذا هو الرئيس بري اليوم، يتابع النهج ذاته، يدوّر الزوايا، ويتعالى على الأحقاد والجراح، ويحاور بالاقناع، ويحضّ على التفاهم، مستعيناً بفكر خلاّق يبتكر الحلول والمخارج…
الرئيس نبيه بري لم يتغيّر في خطابه في إحياء ذكرى تغييب الإمام الصدر، عمّا كان عليه قبله، ولا عمّا سيكون عليه بعده، هذا على الرغم من اظهار ملامح مختلفة للوجه نفسه. ظروف البلد، وموقعه في سلّم المسؤولية الوطنية في هذا الزمن العصيب، جعله يختار لنفسه دور ربّ العائلة… بل حاجة كل الأفرقاء الآخرين الى مثل هذا الدور سبقته الى تنصيبه كربّ للعائلة، قبل أن يسند المهمة الى نفسه… ولكنها عائلة غير موحدة وفيها الطائش، والعنيد، والمراوغ، والفاسد، والوصولي، والانتهازي… كما فيها بعض الصالحين الذين يضيع صوتهم في ضوضاء الآخرين! وكل منهم يذهب في اتجاه… وحلّ مشاكل يا ربّ العائلة اذا كان فيك تحلّ!
أهمّ ما في مهرجان الصدر في صور هو ما بعده… أي مؤتمر الحوار بعد أيام قليلة. والبطولة الحقيقية هي في اللجوء الى الايجابية وليس الفرار الى السلبية. طال هذا الحوار أكثر من اللازم، ولا بد له من الخروج بنتيجة واحدة على الأقل تحدث خرقاً…