الأيام القليلة المقبلة ستكشف ما لا يزال غامضاً من اسرار تعثّر ولادة الحكومة.
في المبدأ قال الرئيس المكلف ما يراه في أكثر من مناسبة. أبلغ رئيس الجمهورية بتصوراته التي طرح اسسها أمام مجلس النواب مجتمعاً. وفي المجلس لم يكن ينقص خطاب الحريري سوى اعلان الحكومة بأسمائها وحقائبها وطلب ثقة النواب بها. الا ان خطوة من هذا النوع لم تحصل لأن الرئيس الحريري لم يصل الى القطيعة الكاملة، وهو يعرف المحاذير الدستورية المترتبة عليها، وأن الحكومة تحتاج قبل وصولها الى المجلس النيابي الى توقيع رئيس الجمهورية وموافقته على تركيبتها، رغم ان المجلس هو صاحب الصلاحية الحاسمة في تثبيتها واستمرارها.
مما يتردد عن أسباب التعثر في التشكيل ما عبّر عنه رئيس الجمهورية من رفض للحريري في رسائله وخطبه. وهذا الرفض هو الأهم وبقية العراقيل التي يتم التداول بها، عن الحصص والأثلاث والمناصب تصبح تفصيلاً. الا ان رغبة الرئيس عون في استبدال الحريري لم تجد من يدعمه فيها بما في ذلك في صفوف “حزب الله” راعي الرئاسة الأبرز. وعندما احتكم عون الى مجلس النواب جاءه الرد بمثابة تكليفٍ ثانٍ للحريري، وفي خطابه بذكرى التحرير انضم امين عام “حزب الله” الى قرار المجلس فأوصى بتذليل الصعوبات من أمام التشكيل، مجدداً الثقة بعون والحريري سويةً، وطلب الى الإثنين الاستعانة بالصديق الرئيس نبيه بري.
يُفْترَض ان تكون جولة المواقف الأخيرة قد أقنعت عون بعدم جدوى التعويل على الخلاص من الحريري، ما يُعيد المشكلة الى حجمها الأول بوصفها مشكلة حصص ومناصب وأحجام، وربما الى حجمها في لحظة التكليف، باعتبار الحكومة العتيدة حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين تلتزم برنامجاً موجزه الخلاص من كل ما أسفرت عنه سياسة السلطة إياها من كوارث.
الكرة الآن في ملعب بري الذي حاول سابقاً وجرى صدّه. لكنه هذا الاسبوع ينخرط في وساطة مزوداً بتفويضٍ صريح من “حزب الله” راعي الرئاستين الأولى والثانية، وفشله ضمن هذه الظروف يمكن ان يكون مفهوماً، وإنما سيثير تساؤلات جوهرية حول أهداف ” القوى الخفية ” التي أشار اليها وليد جنبلاط. وهذه القوى ليست خفية في الواقع رغم جهدها لإبقاء أهدافها طي الكتمان.