Site icon IMLebanon

قانون برّي الإنتخابي… مشروع هيمنة جديد وضرب للمسيحيين

 

 

تعود الذاكرة بالأحداث إلى ما قبل العام 2005، عندما كان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يرفع آنذاك مطلب تحرير لبنان من الإحتلال السوري، فتتعالى أصوات السلطة مطالبةً بإلغاء الطائفية السياسية، من اجل تخويف المسيحيين ودفعهم الى السكوت عن هذا المطلب الوطني.

 

ويبدو أن المشهد في وقتنا الحالي يتكرّر، إذ إنه ولحظة إنتفاضة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على هيمنة “حزب الله” على السياسة اللبنانية وأخذه البلاد إلى عداء مع الغرب والعرب وسياسة المحاور، ودعوة سيّد بكركي إلى الحياد وفكّ الأسر المضروب حول الشرعية، تحرّكّ “الثنائي الشيعي” مجدداً في حرب تهويلية، إذ حرّك رئيس مجلس النواب نبيه برّي رمال قانون الإنتخاب عبر إقتراح كتلة “التنمية والتحرير” مشروع قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة على أساس النسبية.

 

“الطائف” والميليشيات

 

وإذا كان بري يتحجج بأن “إتفاق الطائف” نصّ على مثل هكذا قانون مع إنشاء مجلس شيوخ، فان “الطائف” نصّ أيضاً على نزع سلاح جميع الميليشيات ولم يستثنِ “حزب الله”، وأكد بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، فلماذا لا يبدأ بري بهذا المطلب الذي وبسبب سلاح “الحزب” يتعرّض لبنان للحصار، كما أن إنشاء مجلس الشيوخ سيفتح نزاعاً جديداً على رئاسته بين المسيحيين والدروز، لأن المسيحيين يعتبرون أن خسارتهم لمثل هكذا موقع إن تمّ يعني أن ثلاث رئاسات مع المسلمين، في حين أن الدروز يسعون للحصول عليه لحفظ وجودهم بعد تقلّص عددهم.

 

“خضات تاريخية”

 

من يراجع تاريخ لبنان، يدرك جيداً أن قوانين الإنتخاب كانت مدخلاً إلى الأزمات الداخلية، وكل قانون أو تزوير لنتائج الإنتخابات كاد أن يودي بالبلاد إلى حرب أهلية.

 

وتنشيطاً لذاكرة “الإستيذ”، فإن إنتخابات 1949 التي اتهمت المعارضة السلطة بتزويرها أدت إلى التجديد للرئيس بشارة الخوري، لكنه سرعان ما استقال بسبب الثورة البيضاء العام 1952، كذلك الأمر بالنسبة إلى انتخابات العام 1957 التي أسقط فيها الرئيس كميل شمعون كل زعماء المعارضة الذين ما لبثوا ان شاركوا في ثورة 1958، بينما كانت إنتخابات 1968 مفصلية حيث شكّلت رداً على كل تجاوزات النظام الشهابي فأتى فوز الحلف الثلاثي مدوياً، وقلَب معه كل المشهد السياسي العام 1970 بانتخاب الرئيس سليمان فرنجية وسقوط المرشح الشهابي الياس سركيس، بينما كانت كل مجالس عهد الإحتلال السوري فاقدة للشرعية الشعبية بسبب القوانين الإنتخابية المجحفة ومقاطعة المسيحيين.

 

اليوم وفي هذا الظرف الصعب، يُعيد بري طرح كرة نار مشتعلة، بينما الأساس هو همّ كل لبناني بالتفتيش عن لقمة العيش، وكيف يصمد في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تترافق مع إنتشار “كورونا” لبنانياً وعالمياً، ومن هذا المنطلق يأتي طرحه لقانون إنتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي ليزيد الشرخ ويرفع منسوب التشنّج.

 

رفع منسوب التوتر

 

والغريب أن بري الذي يظهر بمظهر الحريص على الوحدة الوطنية و”مدوّر” الزوايا يعلم أن هذا الطرح لن يمرّ، لكنه يُصرّ على المضي به لحجب الأنظار عن مشكلات البلد الأساسية، علماً أن قوله إنّ هذا القانون يؤمّن الإصلاح السياسي لا يمتّ إلى الواقع بصلة، لأنه عملياً سيرفع منسوب التشنج، خصوصاً أن مشهد ما بعد تظاهرة 6 حزيران الماضي ما زال راسخاً في الأذهان بعد محاولة مجموعات تناصر “الثنائي الشيعي” الدخول إلى عين الرمانة ومن ثم شتم السيدة عائشة، ما كاد يسبب فتنة شيعية – مسيحية وسنية – شيعية.

 

وفي تشريح علمي لهذا القانون، فإن الخروج من مجلس نواب مُقسم مناطقياً إلى مجلس نواب خارج القيد الطائفي لا يمكن أن يحصل “بكبسة زر”، فالبطريرك صفير كان جوابه الدائم على طرح إلغاء الطائفية السياسية بأنه يجب أن تلغى من النفوس قبل النصوص.

 

وإذا سلّمنا جدلاً بهذا الطرح، فإن كل إنتخابات تُجرى في ظل وجود سلاح ستكون معلومة النتائج حتى لو كان القانون أكثرياً أو نسبياً على أساس 15 دائرة أو إعتماد المحافظات التاريخية أو لبنان دائرة واحدة، وبالتالي يجب نزع السلاح أولاً ومن ثم إجراء أي إنتخابات، وعندها يصبح القانون تفصيلاً.

 

هيمنة شيعية

 

ومن جهة ثانية، فالمعلوم أنه يوجد 4 قوى طائفية أساسية في لبنان هي: المسيحيون والدروز والسنة والشيعة، وبالتالي فإن المسيحيين منقسمون بين “القوات” وحلفائهم و”التيار الوطني الحرّ” والحلفاء، بينما يشكّل النائب السابق وليد جنبلاط الممثل الأكبر للدروز، في حين أن الساحة السنية ليست مثل الساحة الشيعية إذ إنه يوجد تعددية. وأمام كل هذه الوقائع يتوزّع الناخبون تقريباً بين 33 في المئة لكل من السنة والشيعة و8 في المئة للدروز، ونحو 36 في المئة للمسيحيين، وبما ان “حزب الله” وحركة “أمل” يُطبقان على الساحة الشيعية، فإنهم سيحصدون لوحدهم نحو 45 مقعداً نيابياً من أصل 128، أي أكثر من ثلث المقاعد.

 

وكشفت الإنتخابات النيابية الأخيرة ضعف الحضور المسيحي في مناطق عدّة مثل بيروت الأولى التي لم تتجاوز نسب الإقتراع في معظم أقلامها 28 بالمئة، وهذا يعود إلى هجرة الأرمن وتقلّص حضورهم، يُضاف إلى ذلك أن مناطق مسيحية عدّة وعلى رأسها بشري لم يتجاوز عدد المقترعين فيها 17 ألف مقترع وتتمثل بنائبين أي بمعدل 8500 مقترع لكل نائب، بينما وصل معدّل مقترعي النائب الشيعي في البقاع الشمالي والجنوب إلى نحو 25 ألف مقترع، وبالتالي فإن هناك هيمنة طائفية وسياسية على المشهد العام.

 

أما درزياً، فإن الإحصاءات تشير إلى أن عدد الناخبين الدروز في كل لبنان يبلغ نحو 220 ألف ناخب، أي أنهم سيذوبون في بحر الأكثريات ولن يؤثروا على أكثر من 4 مقاعد، وبالتالي فان دور أحد أهم الطوائف المؤسسة للكيان اللبناني سينعدم.

 

ومن زاوية أخرى، فإن هذا القانون، إذا اعتُمد، سيرفع مستوى الخطاب الطائفي بدل أن يلغيه، فقانون النسبية على أساس 15 دائرة جعل المعركة بين أهل البيت الواحد، فلمَ يتم تخويف الناخب في المتن من أن إبن الجبل الدرزي سيأخذ دوره والعكس صحيح، وإبن البترون والكورة لمَ يُخوَّف من إبن طرابلس وعكار، والأمر نفسه ينطبق على بقية الدوائر، لكن إذا تم إعتماد لبنان دائرة واحدة فإن كل طائفة ستصوّر على أنها تخوض معركة وجود ويجب أن تحصد أكبر عدد ممكن من المقاعد، وسترتفع وتيرة التجييش لشدّ العصب.

 

سيطرة مرتقبة

 

من هنا، فإن مثل هكذا إنتخابات وفق قانون لا يضمن تمثيل كل المكونات وفي ظل جو طائفي قد تتسبّب بخراب البلاد، وتدفع الفريق الأقوى، أي “حزب الله” وحركة “أمل”، إلى السيطرة على المجلس النيابي نتيجة الزحف الديموغرافي الشيعي الممنهج وتضعضع بقية المكونات، وكذلك بسبب وجود السلاح المهيمن، إذ إن لـ”حزب الله” حلفاء من كل الطوائف وهم أحصنة طروادة له، ومشهد تقاتل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل على نيل رضى “الحزب” لدعم أحدهما رئاسياً أكبر دليل على نفوذ “حزب الله” في كل لبنان وليس في مناطقه.

 

ويضاف إلى طرح قانون “التنمية والتحرير” الإقتراع وفق سن 18 سنة وليس 21، ما يعني تراجعاً إضافياً في الحضور المسيحي والدرزي نسبةً إلى حجم الهجرة المسيحية وقلة الولادات، ما يدفع إلى تقليص الدور المسيحي وتحويله إلى أقلية غير فاعلة.

 

تُدرس قوانين الإنتخاب على “البارد” وليس في ظرف مثل الذي يمرّ به لبنان الذي يسعى إلى التخلص من الهيمنة، وبالتالي فإن المكونات الأساسية لن تشرّع هذه الهيمنة إذا لم يتساوَ الجميع أمام الدولة، لا أن يحمل فريق السلاح ويستقوي على الآخرين