الأنظار الى عين التينة… وهذا ما حذر منه الموفد الفرنسي!
قد تكون من أصعب الكتابات ان تكتب عن اغتيال قائد وزعيم بحجم أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ليس لانه قائد استثنائي، وليس لان اغتياله يشكل بحد ذاته زلزالا سياسيا وعسكريا، لم يعصف بلبنان واللبنانيين فحسب، بل بمنطقة بأكملها ، لكن ابن البازورية الجنوبية ، صاحب الكاريزما اللافتة، عرف كيف يدخل في عقل كل متابع او مشاهد او سامع لخطاباته، التي جعل العالم كله يتسمّر امامها، لقراءة وتفكيك شيفراتها واستشراف المرحلة المقبلة. حتى خصوم السياسة في الداخل كما الاعداء في الخارج يسرّون بحسب اعلامهم، بان كل خطاب للسيد يستغرق عملا وتحليلا للملامح والنبرة والحركات لساعات طوال.
لا يختلف اثنان على ان العدو الاسرائيلي سدد ضربة كبيرة لحزب الله الذي فقد رأس القيادة ، وهو رأس لا يمكن مقارنته باية شخصية اخرى، فلم يكد حزب الله يستوعب ضربات البيجرز واللاسلكي، واغتيال فؤاد شكر وابراهيم عقيل، حتى اتى الخبر الصاعق باغتيال السيد نصر الله . وقد احتاج الامر لذلك اطنانا من المتفجرات، تمكنت من اختراق التحصينات الخرسانية للموقع، الذي كان يتواجد فيه السيد في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، ولا شك ان المتفجرات ما كانت لتحقق المطلوب لو لم تأت “المعلومة الذهبية” على حد تعبير “الاسرائيلي”، من “جاسوس ما ” او جواسيس فعلت فعلها قبيل عملية الاغتيال.
صحيح ان لا معلومات يمكن لاحد ان يؤكدها، لكن التحليلات والواقع على الارض يشير الى انكشاف امني كبير يتعرض له حزب الله، ما يدفع بالحديث عن جواسيس محتملة.
قد يحتاج تحليل ما حصل ومحاولة معرفة معلومة ما مؤكدة، في زحمة الجنون الذي تتعرض له المنطقة، والهيستريا “الاسرئيلية” لسنوات طوال، لكن الاكيد الوحيد حتى اللحظة ان ما بعد 27 ايلول 2024 المشؤوم لن يكون كما قبله، فاغتيال السيد سيشكل بلا شك نقطة تحول كبيرة في تاريخ لبنان والمنطقة ، انه الحدث الزلزال الذي سيرسم معه مشهدا غير واضح المعالم بعد، لشرق اوسط جديد لطالما حلمت به اميركا طويلا الى ان حانت لحظة التنفيذ على يد “الاسرائيلي” وقد رفع نتانياهو احدى خرائطه متباهيا من على منبر الامم المتحدة.
ماذا بعد زلزال الاغتيال؟ هل من يوقف آلة الاجرام “الاسرائيلية”؟ هل يعقل ان اميركا غير قادرة على وقف الحرب؟ ماذا عن ايران المتخاذلة بحسب تعبير البعض؟ هل باعت فعلا حزب الله، ووقفت تتفرج على الهزيمة تنتظر الثمن الكبير؟ هل يكمل الحزب الحرب وهو يدرك الا وحدة ساحات و”لا من يحزنون”، وان الجميع تخلى عنه وهو من دفع دماءه فدى فلسطين وجبهة اسناد غزة، التي كلفت لبنان دمارا وخرابا ودماء كثيرة، امتزجت كلها بدماء القائد والزعيم الاستثنائي حسن نصر الله؟ من سيأخذ كرة المبادرة؟ من يتجرأ على اتخاذ القرار؟ كلها اسئلة مشروعة باتت تدور على كل لسان ، حتى في بيئة حزب الله، هناك من هو مصدوم ويسأل اين ايران؟ ولعل السؤال الابرز في السياسة تحول كله باتجاه عين التينة.
ففي غمرة التحولات والزلزال الذي يشهده لبنان، وعلى وقع الحديث عن قرب التوغل “الاسرائيلي” البري، وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري من يُعوّل عليه، اذ يفيد مصدر بارز واسع الاطلاع على الحركة الجارية، بان بري اب المقاومة وابن الجنوب، والذي ساهم باعماره ، صاحب اتفاق الاطار بالترسيم البحري، ومفاوض هوكشتاين على الحدود البرية، وحده قادر على لملمة الوضع، واخذ زمام الامور والقرار، وهو لهذه الغاية يجري بحسب المعلومات اتصالات رفيعة المستوى، بمحاولة لوقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 .
وفي هذا السياق ، علمت “الديار” ان وزير الخارجية الفرنسية الذي التقى بري امس، كما غيره من القيادات قبل ان يغادر بيروت، لم يحمل اية مبادرة محددة، لكنه حمل رسالة مفادها انه في حال لم يبادر الحزب لوقف جبهة الاسناد، فوتيرة التصعيد ستستعر اكثر فاكثر والقصف قد يتوسع .
وفي هذا الاطار، لفت ايضا امس كلام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي يتصرف كرجل دولة بامتياز ، مجريا اتصالات ومعلنا ان لبنان مستعد لتطبيق الـ1701 وارسال الجيش اللبناني الى جنوب الليطاني، كاشفا ان بري ابلغه انه لحظة وقف اطلاق النار سيتم دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس توافقي، وليس رئيس تحد.
كل هذا الكلام يؤشر الى رغبة لبنانية رسمية بوقف لاطلاق النار، فميقاتي كما بري يدركان اهمية التوصل لوقف للنار اليوم وليس غدا، اذ كلما زادت حدة المعركة، كلما تكبد لبنان خسائر اكبر ودمارا اوسع واثمانا “أخطر” . علما ان الشيخ نعيم قاسم كان واضحا بالامس عندما خرج وفي اول كلام رسمي لحزب الله بعد اغتيال السيد نصرالله ليعلن : “لن نتزحزح قيد انملة عن مساندة غزة”.
اوساط متابعة لمجريات الاتصالات تشير الى ان الانظار ستتوجه بدءا من اليوم الى عين التينة مركز القرار، والتي ستشكل المحطة الابرز لكثير من النواب، الذين يستعد العدد الاكبر منهم لزيارة بري والاعلان عن مواقف واضحة باتجاه ضرورة وقف اطلاق النار، وقد يستهلها النواب المستقلون كنائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب والنواب آلان عون وسيمون ابي رميا وابراهيم كنعان، كما نعمت افرام وميشال الضاهر وغيرهم يوم الاربعاء، كما ان لقاء سيجمع بري يرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل اليوم.
وتتابع الاوساط : الاهم في هذه المرحلة تحصين الجبهة الداخلية وهذا ما يعمل عليه ، وبرزت هنا المواقف الحكيمة والتحرك السريع الذي قام به باسيل، واضعا الخلافات السياسية جانبا، ومبادرا باجراء سلسلة اتصالات، وكذلك رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” سابقا وليد جنبلاط ، الذي يشهد له وقفاته الوطنية في اللحظات المصيرية . وتضيف الاوساط : تحصين الداخل جيد، لكن الاهم هو ما قد يصدر بقابل الايام عن عين التينة، والتعويل هو على الرئيس بري الذي باتت عليه المسؤولية الاكبر ، مسؤولية وطن بأكمله، فصاحب الباع الطويل في السياسة ومعايش الحروب على انواعها، يدرك تماما هذا الواقع ، وهو يرغب ويعمل لوقف لاطلاق النار . لكن السؤال الاهم : هل ايران ترغب بوقف للنار؟ هل توفر طهران الغطاء لبري، لكي يتحرك باتجاه وقف النار؟ هل اقتنعت ايران بان ما حصل حتى الساعة سيدفع بمحور المقاومة من لبنان الى غزة الى خسارة أثمان كبيرة وخطيرة؟ او ان سياستها لن تتبدل، وهي آخذة بمحور الممانعة نحو الانزلاق الكبير؟ لعل التخبط بالمواقف الايرانية منذ لحظة اغتيال السيد نصر الله كفيل بالاجابة عن الاسئلة المطروحة!
على اي حال وبالانتظار، فالاكيد ان شيئا ما يعمل عليه في الكواليس، يقوده الرئيس بري مع عواصم القرار من طهران الى اميركا مرورا بفرنسا ، التي تنسق مع الاميركيين، فهل تسبق الحلول الديبلوماسية خراب الميدان؟ او اننا امام حرب طويلة الامد لن يكتفي خلالها العدو الاسرائيلي بهذا الحد من الدمار والاجرام والتوغل، طالما لا شيء يردعه ولا ارادة اميركية كما ايرانية بالتوقف عند هذا الحد، فيكمل بمخططه وصولا لهذا الشرق الاوسط الجديد، وصفقة قرن فشلت سابقا، وهي ترى اليوم فرصة ذهبية لفرضها..
بالمحصلة ، اغتيل السيد نصر الله ، تلك الشخصية الاستثنائية، والاسطورة التاريخية التي عرفت كيف تقتحم العالم العربي، وتحول حزب الله الى قوة اقليمية، وتخوض حروبا تكللت بالتحرير عام 2000 وبانهزام عدوّ عام 2006 ، وقف باكيا امام ضحكة ماكرة مكللة بكلمات عزّ ونصر باتت محفورة في عقول وقلوب اللبنانيين كما “الاسرائيليين” المنهزمين، يوم وقف السيد في ذاك الرابع عشر من تموز 2006 يقول : “المفاجآت التي وعدتكم به، سوف تبدأ من الآن، الآن في عرض البحر، في مقابل بيروت، البارجة الحربية العسكرية “الإسرائيلية” التي اعتدت على بنيتنا التحتية، وعلى بيوت الناس، وعلى المدنيين، انظروا اليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود “الإسرائيليين” الصهاينة، هذه البداية وحتى النهاية كلام طويل وموعد والسلام”…
لكن بلا موعد، رحل السيّد، وغاب السلام عن بلد تلاحقه الاطماع على كل الجبهات..وفراغ السيد نصر الله لن تملأه اية شخصية اختيرت لا لبنانيا ولا عربيا!
وعلى ما يبدو فالحرب طويلة، ووقت الديبلوماسية لم يحن بعد ، يختم مصدر موثوق.