كان مؤسس حركة «أمل» السيّد موسى الصدر يُرشد شخصيات ويُعلّمها أن تتحدّث وتكتب وتقارب الأمور بصيغة إيجابية لا سلبية، أي بدلاً من القول كما هو شائع في البلد: «لا يجوز هذا الموضوع إلّا إذا..»، من المستحسن القول: «يجوز هذا الموضوع بكذا..»، ففي الحالتين إنّ النتيجة واحدة إنّما بطريقة مختلفة. إنطلاقاً من ذلك، يجب، بحسب أوساط «عين التينة»، مقاربة تأليف الحكومة بصيغة «يجوز أن» وليس «لا يجوز أن». وانطلاقاً من ذلك أيضاً، هناك تفاؤل في «عين التينة» حيال التأليف على رغم حذر رئيس مجلس النواب نبيه بري، جرّاء تجارب عدة سابقة في هذا الإطار، فهو ليس «إبن اليوم في حلحلة العقد واجتراح الحلول، لكنّه يتمتع دائماً بمسحة تفاؤلية حتى لا يزيد في الطين بلّة».
تتفهّم أوساط عاملة على خط التأليف أن يعمد الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري الى رفع السقف حكومياً واضِعاً نقطة على السطر خلال خطابه في 14 شباط الجاري، وذلك لأنّ «في السياسة هناك ما نَنزِل به الى الجمهور، وهناك ما نرفع به الجمهور إلينا». وقد يكون الحريري اضطُرّ الى أن ينزل الى جمهوره، بعد الفيديو المُسرّب الذي يتهمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فيه بالكذب وكلّ ما تَلاه من مواقف، فضلاً عن عدم تجاوب عون معه على رغم أنّه تغاضى عن هذا الكلام وزار القصر الجمهوري. لكن في بواطن الأمور من المُرجّح، بحسب هذه الأوساط، أن تُعتمد المبادرة الحكومية التي طرحها بري، والتي وضع فيها لكلّ داء دواء وعلاج، وتحظى بقبول فرنسي وبتعاون الأفرقاء كافة ورضاهم، وحتى بمباركة بكركي بعد أن كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قد طلب من بري التدخّل على الخط الحكومي واجتراح حلول للمساعدة على التأليف، وذلك 3 مرات، عبر إيفاد المطران بولس مطر الى عين التينة، وعبر رسالة بعثها الى بري مع النائب أنور الخليل، وخلال اتصال أجراه بري بالراعي لتعزيته بشقيقه.
وتشرح أوساط «عين التينة» أنّ مبادرة بري هي وحدة متكاملة، لا يمكن إلغاء شيء منها، وهي التي اعتمدها الحريري وعلى أساسها قدّم تشكيلة حكومية من 3 ستّات (6 ـ 6 ـ 6) الى عون، أي حكومة من 18 وزيراً من الاختصاصيين المستقلين ولا تضمّ ثلثاً مُعطّلاً لأيّ طرف. وبالتالي، إنّ القبول بمنح الثلث المعطّل لأيّ فريق يعني إسقاط هذه المبادرة، كذلك القول إنّ رئيس الجمهورية لا رأي له في الوزراء أو أنّ الرئيس المكلف لا يحق له تأليف الحكومة يُسقِطان المبادرة، فيما أنّ الرئيس المكلف هو من يؤلف الحكومة مع استشارة رئيس الجمهورية، بحسب ما تشرح هذه الأوساط.
كذلك، أتى طرح الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي يقضي بتأليف حكومة من 20 وزيراً من دون ثلث معطّل، مُكمّلاً لمبادرة بري، بحيث بات هناك توافق لبناني شامل على أن لا ثلث معطّلاً. أمّا توسيع الحكومة الى 20 وزيراً فلا إشكال كبيراً حوله، بحسب مصادر مطلعة، ترى أنّ الأمور ذاهبة في اتجاه الحلحلة حكومياً انطلاقاً من إشارتين داخلية وخارجية:
الداخلية، أنّ التأليف عالِق عند 3 عقد:
ـ الأولى، هي الثلث المعطّل، والآن بات الأفرقاء جميعاً متفقون على أن لا ثلث معطّلاً لأحد في الحكومة، وسمع عون وفريقه من الأفرقاء كافة خصوصاً من الحلفاء، وتحديداً «حزب الله» على لسان أمينه العام أن لا ثلث ضامناً ولن «نمشي به».
ـ الثانية، عقدة وزارة الداخلية، التي يجري الآن العمل على حلّها، إمّا بأن يسمّي الحريري 5 أو 6 أسماء يختار عون واحداً من بينها، وإمّا يسمّي عون بضعة أسماء ويختار الحريري أحدها.
ـ الثالثة، عقدة التمثيل الدرزي التي تُحلّ بحكومة من 20 وزيراً.
أمّا الإشارة الخارجية فهي على خط واشنطن ـ طهران، وما يحصل على صعيد المنطقة من تبريد. إذ يتبيّن أنّ الحوار الأميركي – الإيراني يسير في اتجاه إيجابي. فالأميركيون اتخذوا خطوات إيجابية في اتجاه طهران، بحيث سمحوا للديبلوماسيين الإيرانيين أن يتحركوا أكثر في الولايات المتحدة ورفعوا القيود عنهم، كذلك سحبوا من مجلس الأمن طلبهم إعادة فرض كلّ عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وفي حين سبق أن أكّد الحريري أنّ الحكومة لن تكون إلّا من 18 وزيراً و»نقطة عالسطر»، ترى هذه المصادر أنّ كلام الرئيس المكلّف يأتي ضمن رفع السقف الى أقصى حد قبل معاودة التفاوض، لكنه حين يرى أن النيّات حسنة من الطرف الآخر، أي التخلّي عن الثلث الضامن، فلن يضع العصي في الدواليب. وتقول هذه المصادر: «حين نخرج من عقدة الثلث الضامن يُحلّ الموضوع وتؤلّف الحكومة، ولا يعود مهمّاً زيادة وزير أو اثنين. فبهذه الطريقة لا يُصاب أحد».
وفي حين استُنتِج من كلام الحريري بعد لقائه عون في 12 شباط الجاري وفي خطابه في 14 منه، بأنّ التشكيلة الحكومية التي قدّمها، خصوصاً لجهة عدم منح الثلث المعطّل لأي فريق، هي المطلوبة من الفرنسيين ودول أخرى وإلّا لا دعم ولا مساعدات، لم يصدر أي بيان رسمي أو إشارة فرنسية في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، تذكّر المصادر المطلعة أنّ عون رئيس جمهورية لبنان، ويتعامل الفرنسيون معه على هذا الأساس، ويعرفون كيف يوصلون الفكرة اليه.
من جهتها، تشير أوساط عين التينة الى أنّ بري يعمل مباشرة على خط التأليف من خلال «الجهاز الحركي»، وأنّ التواصل مع الفرنسيين قائم ودائم، مشيرةً الى أنّ «الفرنسيين تقبّلوا مبادرة بري وقبِلوا بطرحه، وسيكون هناك مسعى في هذا الاتجاه».
إنطلاقاً من هذه المعطيات، هناك نافذة مفتوحة الآن يُمكن أن تخرج منها الحكومة، لكن يبدو كذلك، بحسب معنيين، أنّ هناك من يعمل على إغلاق كلّ نافذة تُفتح.