IMLebanon

مناقصة البستاني… “تنفيعة” في غير زمانها

 

شركات الاستيراد بريئة من “هيصة المزاد

 

كيف يمكن لدولة مفلسة بالكاد قادرة على تأمين رواتب موظفي القطاع العام وعاجزة تماماً عن تأمين الخبز والدواء لشعبها أن تتكبّد ثمن مناقصتين بأكثر من 215 مليون دولار لشراء البنزين والمازوت؟

 

قصة “دون كيشوت” هذه من بطولة وزيرة الطاقة، بدأت منذ أكثر من شهر حيث دفعت بأصحاب الشركات المستوردة للمواد البترولية الى الاضراب عندما لم تُعِر صرخة هؤلاء الاهتمام اللازم بعدما بدأوا يعانون ارتفاع سعر الدولار الذي ارتفع بمعدل 25% رافضة تعديل جدول الاسعار.

 

كلّ المطلوب كان زيادة سعر صفيحة البنزين بين 600 و900 ليرة فقط، وهو الامر الذي لطالما نادى به البنك الدولي، ولما تكبّدت الخزينة العامة مزيداً من الخسائر الناجمة عن سياسات وزارة الطاقة و”تخبيصاتها”.

 

في لبنان قطاع خاص لاستيراد المواد البترولية على أنواعها (غاز، مازوت، بنزين). وعلى عكس ما يُشاع، ليست الشركات العاملة في هذا القطاع “كارتيلاً”.

 

فهذه الشركات الـ 14 قد استثمرت مئات ملايين الدولارات منذ بدء عملها في السوق المحلية، كما أنها تؤمّن الوظائف لنحو 25 ألف شخص من موظفين وعمال.

 

تعمل هذه الشركات وفق نظام تنافسي بحت، وتتسابق في ما بينها من أجل “كسرة” تغييرات في جدول الاسعار الاسبوعي، بالاضافة الى نظام النقل الذي تسلّم بموجبه المحطات. يعتبر هذا القطاع من أكثر القطاعات مراقبة منذ انطلاق الشحنة البترولية من بلد الاستيراد ولغاية وصولها الى المنشآت النفطية في الاراضي اللبنانية. إلى ذلك، فإن سعر المبيع في المحطات خاضع لمراقبة وزارة الطاقة التي تطلق جدولاً لتركيب الاسعار كل أربعاء. من هذا المنطلق من المعيب الحديث عن “كارتيلات” بما أن المنافسة موجودة ومعها آلية المراقبة من الجهات المختصة.

 

لاستيراد النفط الى لبنان تحتاج الشركات الى شهادة استيراد بالاضافة الى خزانات ومنشآت للتفريغ وكلها ملك شركات محترمة على غرار “توتال” الفرنسية وغيرها من الشركات العاملة في السوق منذ دهر. اذاً وكشرط للاستيراد لا بدّ أن تمتلك الشركات المستوردة محطات لاستقبال هذه المواد النفطية.

 

 

وهنا تجدر الاشارة إلى أن الشركة الفائزة في المناقصة التي أطلقتها وزارة الطاقة لا تملك منشآت نفطية. من حيث المبدأ لا بدّ لها أن تلجأ الى استخدام احدى المنشآت التابعة للشركات الخاصة أو أن تشتري منشأة وهو ما يكلّف ثروة. لكنّ وزيرة الطاقة اختصرت كلّ هذا العناء لتزفّ للبنانيين أن “ZR Energy “يمكن أن تستخدم المنشآت النفطية في طرابلس.

 

في المقابل، زفّت الوزيرة خبر انتزاعها 10% من حاجة السوق من الشركات الخاصة. لكنها في الواقع انتزعت هذه النسبة من شركات تقوم بدفع مستحقاتها كافة للخزينة العامة من ضرائب ورسوم وأعطتها لشركة جديدة لا تملك في الواقع شيئاً ولم توظف أي عامل كما أنها لم تستثمر شيئاً في السوق المحلية.

 

اذاً، ماذا قصدت البستاني عندما قالت إنها ستستورد من دولة الى دولة من دون الحاجة الى شركات تتقاضى العمولات؟ في الواقع ستقوم شركة ZR بالاستيراد لتعود الوزيرة وتشتري هذه الـ 10% من شركة خاصة.

 

ستعمد الوزارة الى الشراء بسعر 39 دولاراً زائد السعر العالمي أي بزيادة 25 دولاراً عن السعر المعلن في جدول تركيب الأسعار الصادر عن الوزارة، وذلك يعني أن السعر أعلى بكثير من السعر الذي قدمته الشركات المستوردة والتي لقبتها البستاني بالـ”كارتيل” وأرادت القضاء عليها.

 

والأهم من كل ذلك ان الوزارة وضعت في خدمة الشركة الفائزة المنشآت النفطية في طرابلس وهذا ملف آخر سنفتحه على مصراعيه في وقت لاحق. ولكن للتذكير، ففي حكومة تصريف الاعمال في 25 كانون الثاني من العام الجاري، وقّع وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال سيزار أبي خليل مع شركة “روسنفت” التي تملك الحكومة الروسية51% من أسهمها عقد تشغيل وخدمة من أجل تأجير سعة تخزينية في منشآت النفط في طرابلس. ونصّ عقد التشغيل الذي لم يتمكن أحد من الحصول على النسخة النهائية منه والذي تمّ تغيير بنود أساسية منه لدى التوقيع، على أن تستأجر الشركة الروسية سعات تخزينية من المنشآت، لمدة 20 عاماً.

 

بعد “روسنفت” يتم التداول اليوم بشركة “لبنفت” والقريبة من ZR لتحكم هذه “المنظومة” قبضتها على منشآت طرابلس.

 

في المحصّلة، وبدلاً من المناقصتين الاولى لمادة البنزين والثانية للمازوت سيتوجب على الدولة تأمين 215 مليون دولار أميركي من خلال مصرف لبنان الذي يجد نفسه عاجزاً عن تأمين الاعتمادات للأدوية والقمح. في هذا الاطار لا نزال نجهل كيف ستدفع الدولة لشركة “ZR” بما أنّ سعر المبيع في السوق سيكون بالليرة اللبنانية وأرخص من سعر الشراء وهذا يعني خسائر “شنيعة” لوزارة الطاقة وتالياً للخزينة العامة التي “اختنقت” أساساً من عجز كهرباء لبنان.