IMLebanon

كابوس نهر البارد يؤرّق عين الحلوة

يشكو أهل عين الحلوة من تحريض وسائل الإعلام ضد مخيّمهم. يرون أنّ المرحلة تُهيّأ لاستعادة تجربة نهر البارد مجدداً لتهديم المخيم وتهجير أهله

كابوس نهر البارد يؤرّق سكان عين الحلوة، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان. يعيش هؤلاء هاجس تدمير المخيم وتهجير أهله في كل لحظة.

ويغذي هواجسهم كل خبرٍ أمني عن مطلوبين في ملفات مرتبطة بأعمال تفجير وإرهاب موجودين في مخيمهم، حتى يبدو «كأنه لا يوجد في المخيم غير نعيم عباس وتوفيق طه وشادي المولوي والدولة الإسلامية وجبهة النصرة»، على ما يقول كثر من أهالي المخيم الذين يأخذون على وسائل الإعلام «التحريض على المخيم» وإهمال الأوضاع الحياتية الصعبة، في واحدة من أكثر بقاع الأرض اكتظاظاً.

هنا، عشرات الآلاف مخنوقون في كيلومترٍ واحد من دون أمل. يشكون من تضييق الأجهزة الأمنية على شباب المخيم بتهمة الارهاب، وتعاطي الدولة اللبنانية مع اللاجئين الفلسطينيين كملف أمني تابع لوزارة الداخلية أو الدفاع. ولا تقنعهم نظرة الأجهزة الأمنية إلى المخيمات باعتبارها رقعة أمنية قابلة للاشتعال في أي لحظة. أما عمليات القتل والاغتيال التي تحصل بين حينٍ وآخر، فيضعونها في خانة «الأحداث الفردية التي تحصل في أي بلدٍ في العالم»، على ما يقول أحد فعاليات المخيم.

عاملٌ إضافي يلعب ضد عين الحلوة: «المخبرون». هؤلاء الذين يكاد يوازي عددهم عدد أكبر فصيل في المخيم، يزيدون من مشاكله. وخطر هؤلاء هو «مزاجيتهم» في كتابة التقارير، إذ يعمدون الى «الدز» على أشخاص قد يكونون على خلاف شخصي معهم، في تقاريرهم التي يرفعونها، فيتحوّل هؤلاء الذين قد يكونون أبرياء إلى مطلوبين لأجهزة الدولة. يتوحّد أهل المخيم في نظرة العداء إلى وسائل الإعلام والصحافيين.

وتُصبح هذه الوسيلة الإعلامية أو ذاك الصحافي المسؤول الوحيد عن محاولات هدم المخيم. وإزاء ذلك، تتكثّف الاجتماعات بين الفصائل. وتزداد لُحمة أهل المخيم ضد من يعتبرونه «العدو الخارجي» الذي يتربّص بهم شرّاً. وتتوحّد خُطب الجمعة في وجه «حملات التحريض» ضد أهل المخيم. وهذا «العدو»، بالمناسبة، هم من استعدوه مسبقاً، إذ تتجنّب معظم الفصائل الإسلامية الظهور على وسائل الإعلام أو الإجابة عن استيضاحات معينة. يتهيّب هؤلاء الخروج على فضاءات شاشاتها أو التصريح على صفحات جرائدها. يأخذون في الحسبان ارتكاب خطأ هم بغنى عن تبعاته أو يخشون الوقوع ضحية صحافي يجتزئ كلامهم ويُحمّلهم عبء ما لم يقولوه، فيما يعوّض هذا النقص حضور وجوه حركة فتح إعلامياً، العدو التاريخي للفصائل الإسلامية في المخيم. الحصة الأكبر إعلامياً تنالها حركة فتح، فيما يبقى الإسلاميون «الصيد الثمين» و«البُعبع» الذي يخشى الظهور أمام الكاميرا. تُترك الساحة والمخيّلة لترسم صوراً لـ«أبطال» ساهمت الفصائل الفلسطينية في صناعتهم. من بلال بدر مروراً بتوفيق طه وعماد ياسين ومحمد جمعة، وصولاً إلى أحمد عبدالكريم السعدي المشهور بـ«أبو محجن». كل هؤلاء شخصيات لا تختصر المخيم، لكنّ حكاياتها تشدّ أهله والإعلام على حدٍّ سواء. على سبيل المثال، بلال بدر هو ذاك الشاب الذي قتل بيديه ١٤ شخصاً على الأقل من أهل المخيم. شابٌ عشريني أجرد اللحية بشعرٍ طويل. أمام هول ما اقترفت يداه، لا يسعك إلا أن تصفه بالسفّاح. لكن لو قابلته، لعرفت أنّه شابٌ بسيط لم يكن يُريد سوى أن يعيش بكرامة. شجاعٌ وطيب في المكان الخطأ، جرى استخدامه في صراع الفصائل لتصفية حساباتها في ما بينها. أما توفيق طه، الرجل الشبح الذي لم يظهر يوماً على الإعلام سوى بصورة مسرّبة من الأجهزة الأمنية، والذي ينقل عنه الإعلام أنّه قياديٌ في «كتائب عبدالله عزام»، فإنّك لن تجد في المخيم، تحديداً في أوساط الفصائل الإسلامية، أحداً يذكره بسوء. يحكون عن حُسن خلقه ويؤكدون أنّه الأحرص على أمن المخيم وأنّ أولويته الأولى قتال اليهود.

منذ أسابيع، هزّ المخيم خبرٌ نشرته قناة Mtv عن «سعي المدعو عماد ياسين للقيام بأعمال إرهابية انطلاقاً من المخيم». لم يمر وقتٌ طويل حتى أضيف اسم هلال هلال وعبد فضة إلى اللائحة. ثلاثة مطلوبين يدورون في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية» يُعدّون لتفجيرات ستضرب لبنان. سُرِّب الخبر هكذا من مصادر عسكرية سعياً لإجهاض أي فكرة أو محاولة قد يقوم بها أي من هؤلاء. انقلب المخيم رأساً على عقب. لم يطل الأمر قبل أن يخرج هلال بتسجيل صوتي يعلن براءته من تنظيم «الدولة». نفيٌ كاذب، بشهادة أهل المخيم، دُفع إليه هلال «حرصاً على المخيم وأهله»، لا سيما أنّ معظم أهالي عين الحلوة يعلمون عن انتمائه إلى «الدولة» وعن البيعة التي في رقبته لأكثر التنظيمات تشدداً في العالم. غير أنّ الصفقة كانت تقضي بتقديم هلال، وكُثر ممن يسيرون على نهجه، تطمينات وتعهّدات بأنّهم لن يتّخذوا من المخيم منطلقاً لأي عمل أمني في الداخل اللبناني.

لا يختلف اثنان على أنّ توجّهات الفصائل الفلسطينية والإسلامية في «عين الحلوة» وأهدافها تختلف حتى التناقض أحياناً. حتى إنّ الأولويات قد لا يتقاطع بعضها مع بعض أحياناً كثيرة. غير أنّ مسلّمة واحدة يكاد يُجمع عليها معظم أهالي المخيم وفصائله، تتمثّل في استقرار المخيم وأمانه، مع بعض الاستثناءات لشبانٍ متحمّسين يسعون للتوتير أحياناً. بل حتى حملة فكر تنظيم «الدولة الإسلامية»، العقلاء منهم طبعاً، يرون أن لا مصلحة في أي عملٍ قد يهدم بيت الأمان الذي يعيشون تحت سقفه. في الحقيقة، لا يُريد أهل المخيم سوى أن يعيشوا.

«عين الحلوة» يتوحّد افتراضياً

توحّد أهل مخيم «عين الحلوة» افتراضياً. تجربةٌ تصلح لأن تُعمّم. فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تنشط مجموعتان؛ الأولى تحت اسم «عاصمة الشتات»، والثانية تُعرف بـ«مجموعة عاطف موسى»، نسبة إلى «الأدمن»، وهو أحد أبناء المخيم. يُتابع هؤلاء على مدار الساعة وسائل الإعلام، ويتداولون معظم الأخبار المحلية والعالمية، لا سيما تلك التي تتعلق بمخيم «عين الحلوة». وغالباً ما يُعلّقون عليها، رغم أنّ المداخلات الحادة غير محبّذة لدى القيّمين على المجموعة. فتشهد هذه المجموعات مشادات كلامية بين أعضاء المجموعة الواحدة. ويُسجّل لأعضاء هاتين المجموعتين أنّهم نجحوا في تكوين «لوبي» من أهالي المخيم لإيصال حقيقة الأحداث التي تحصل في المخيم. كذلك نجحوا في جمع الأيدي للتكاتف في وجه حملات تشويه تطال المخيم.