لم تهدأ الاتصالات في طرابلس منذ أن أعلن محافظ الشمال رمزي نهرا، أول من أمس، طلبه الاستماع لإفادة كلّ من رئيس اتحاد بلديات الفيحاء ورئيس بلديّة طرابلس أحمد قمر الدين، ومديرة الاتحاد ديما حمصي، اليوم الخميس، حول المخالفات وهدر المال العام الحاصل في الاتحاد وفي المسلخ الخاص بالمدينة، والذي يشرف عليه الاتحاد، تمهيداً لإحالة كامل الملف على القضاء المختصّ.
تساؤلات عدة طرحت في مختلف الأوساط المعنية في المدينة، حول أسباب تحرّك المحافظ، وحقيقة ما يُحكى عن فساد وهدر في الاتحاد ومشاريعه، ومنها المسلخ. فهل لهذا التحرّك أسبابه الفعلية، أم أن خلفياته سياسية ويأتي في إطار تصفية الحسابات لأنه جاء مباشرة بعدما نفض الوزير السابق أشرف ريفي يديه من البلدية التي كانت حتى قبل أيام قليلة محسوبة عليه؟ وهل أن الهدف هو تصفية تركة ريفي، على رغم تخليه عنها، أم أن أسباب التحرّك شخصية؟
أمس حضر قمر الدين إلى سرايا طرابلس قبل الموعد المحدد له مع المحافظ (الساعة الـ11 قبل الظهر) بربع ساعة تقريباً، وهو أوضح لـ«الأخبار” بعد وصوله أن “ما جرى أعتبره مسّاً بكرامتي وبكرامة المدينة، وتجريحاً شخصياً بي وبطرابلس»، معبّراً عن أسفه أن “يصدر أمر كهذا عن المحافظ».
وأكد قمر الدين أنه “لا أعرف خلفية الموضوع»، داعياً إلى توجيه السؤال للمحافظ، لكنه يشير إلى “ضغوط مورست عليّ لأغيّر مسار العمل في الاتحاد». وعن ما يقصده بـ«مسار العمل»، قال: «إنهم يحاولون إعادة الهدر إلى الاتحاد، وابتزازي»، موضحاً أن “الموضوع ليس سياسياً، وأن من يضغطون عليّ ليسوا سياسيين». ورفض قمر الدين تأكيد أو نفي إنْ كان هؤلاء مقربين ومحسوبين على سياسيين في المدينة أم لا، مكتفياً بردّ مقتضب: «لا أعرف».
وحول ما يقصد باتهامات “إعادة الهدر” في مشاريع اتحاد بلديات الفيحاء، وهل هناك معطيات لديه بهذا الخصوص، قال: “عندما تسلمت رئاسة البلدية بعد انتخابات 2016 كانت المرحلة الأولى من إعادة تأهيل المسلخ قد لُزّمت، ووافق المحافظ عليها عندما كان رئيساً لبلدية الميناء بالتكليف بعد حلّ البلدية ووضعها في عهدته، لكن ملف تلزيم المسلخ نام في أدراج المحافظ لأسباب أجهلها، وعندما اطلعت على ملف المسلخ وجدت أن هناك تلزيمين له، الأول بقيمة 250 مليون ليرة تقريباً والثاني لم تجر مناقصته بعد، كما أنه لا توجد كفالة حسن تنفيذ في التلزيم الأول، فقمت بإحضارها ومن ثم وضعها في الملف، فهل يُعتبر ما قمت به اتهاماً لي؟».
وكشف قمر الدين أنه “بعد توقيف العمل بالمسلخ قمت بتوقيف كل المسؤولين عن أعمال النظافة فيه، وتلقيت اتصالات عدة، ومورست علي ضغوط لإعادتهم إلى العمل فرفضت، لأنهم المسؤولون مباشرة عن سوء وضع المسلخ وعدم الاهتمام والعناية به في شكل كافٍ».
وكان قمر الدين استغرب ما قيل عن إحالته إلى القضاء، موضحاً أنه “عندما تسلمنا رئاسة الاتحاد كان وضع المسلخ على ما هو عليه الآن، ونحن نتحمّل مسؤولية قلة النظافة فيه، وعلى إثرها أغلق المسلخ وأوقفنا كل المسؤولين عن النظافة من العمل في المسلخ، وقمنا بالإجراءات السريعة واللازمة لتأهليه، ليصبح قادراً على خدمة طرابلس لمدة شهر، بينما تنتهي دراسة الهيئة العليا للإغاثة لإعادة تأهيل المسلخ وتسليم الجزء الثاني منه، ليكون لائقاً لخدمة طرابلس لمدة سنتين، وعندها يكون المسلخ الجديد قد أنشئ، وأن مجلس الإنماء والإعمار سيلزم المسلخ الجديد خلال أسبوع أو أسبوعين من الآن».
عاتب نهرا قمر الدين على خطوة إزالة البسطات عن جسر نهر أبو علي!
لكن يبدو أن لقاء قمر الدين والمحافظ أسهم في تهدئة الأمور. ففي مؤتمر صحافي عقده في باحة السرايا بعد اللقاء قال رئيس بلدية طرابلس إن “بعض الأمور لم تكن واضحة أمام المحافظ في ما يخصّ اتحاد بلديات الفيحاء حول بعض الشكاوى التي بين يديه، لكن بسبب وجود مديرة الاتحاد خارج البلاد أحب أن يستمع لنا سوية بعد عودتها، وتمّ تأجيل اللقاء إلى موعد لاحق لم يحدد توقيته».
وحول اتهامات الهدر وتغطية الفساد في البلدية والاتحاد ردّ قمر الدين أنه “معروف عني أنني أكثر رئيس بلدية حافظ على المال العام، وأقل رئيس بلدية أو اتحاد صرف مبالغ، وإذا تمّت مراجعة المال المصروف في البلدية أو الاتحاد نجد أن الأموال أقل بكثير ممّا كان يتم صرفها في السابق. أنا لا أتهم أحداً، لكن أنا أتحدث عن نفسي وأنا حريص على أن يُصرف كل قرش في محله».
وفيما جرى التكتم على ما دار في اللقاء بين المحافظ ورئيس الاتحاد، كشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن نهرا “عاتب قمر الدين لأنه لم يطلعه مسبقاً على خطوة إزالة البسطات عن جسر نهر أبو علي في منطقة باب التبانة، وأنه (نهرا) تلقى اتصالات من وزارة الداخلية تسأله عن ما يجري وتبين أنه لا يعلم، ما أوقعه في حرج، فردّ قمر الدين أنه يقوم بتنفيذ قرار متفق عليه قبل نحو سنة، وأن الأهالي مسرورون جداً بما قمنا به، لأن أحداً لم يكن يتوقع أن يتجرأ أحد على إزالة البسطات في تلك المنطقة، لكن الاستعانة بمخابرات الجيش سهّلت ذلك».