«نحن لا نقبل أن نخضع لأدوات استكبارية في العلاج، يعني لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة». كلام أربكَ فيه نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم كل المشهد السياسي المترقّب لنتائج ما يمكن أن تؤول اليه الاستشارات مع صندوق النقد الدولي.
في وقت، ينتظر اللبنانيون نافذة أمل لتفادي الانهيار الشامل الذي قد يصيبهم، أتى موقف قاسم ليلقي مزيداً من السواد على المشهد. فما هو موقف الأفرقاء اللبنانيين منه؟
عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون أوضح لـ»الجمهورية» أنّ عدم موافقته على كلام الشيخ نعيم قاسم في شأن صندوق النقد الدولي، «ينطلق من مبدأ انه لا يجب إقفال الأبواب منذ الآن ولا يجب اتخاذ مواقف مسبقة، قبل تأمين خيارات بديلة، خصوصاً أننا في ظل الوضع المتأزّم قد نصل الى مكان نحتاج فيه إلى دعم مالي دولي. وبالتالي، قد تؤثر المواقف المسبقة على هذا الموضوع». وأشار إلى «اننا في انتظار اقتراحات الحكومة والخطط التي تعمل عليها، وما سيظهر من اقتراحات لاحقة». وأوضح أنه «حتى الساعة لم يُطرح بعد ما اذا كان صندوق النقد الدولي يطرح حلولاً مشروطة بمواقف سياسية، كتطبيق قرارات دولية معينة».
الشدياق
وتقول عضو تكتل «الجمهورية القوية» الوزيرة السابقة الدكتورة مي الشدياق لـ»الجمهورية»: «ليس «حزب الله» الذي يقبل او لا يقبل، يوجد دولة، وهناك اختصاصيون من مختلف الافرقاء يتّفقون على موقف موحّد وليس ضمن موقف محوري»، مُنتقدة زيارة رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني للبنان «ليقطع دابر أي مساعدة قد نحصل عليها وليكرّس صبغة اللون الواحدة على حكومة حسان دياب، في وقت لبنان هو أحوَج الى مساعدة من المجتمع الدولي والعربي». وتضيف: «شبعنا من استكبار فريق معيّن يريد أن يفرض نفسه وأجندته في الشؤون اللبنانية كافة». ورأت «أنّ القرارات ليست وجهة نظر بالنسبة الى الوضع المادي الذي وصلنا إليه، ولا تؤخذ قرارات مصلحة لبنان بهذه الطريقة. وهذه مواقف أقلّ ما يقال فيها إنها على مستوى ضيّق لحشر لبنان في محور يرفضه المجتمع الدولي ويتهمه بالارهاب، من اوروبا الى الولايات المتحدة، الى دول الخليج والدول العربية. لذا، نحن شَبعنا ان نكون ضحية استفراد «حزب الله» بلبنان». وتضيف: «حزب الله» هو الذي أصرّ من خلال ممارساته على الوصول الى حدّ تصنيفه منظمة إرهابية، وبدلاً من ان يدفع وحده ثمن ما يرتكبه من ضرر بمصلحة لبنان، ها هم اللبنانيون جميعاً يدفعون ثمن أخطاء الحزب». وتعتبر أنّ «الهجمة على مصرف لبنان والقطاع المصرفي هي لتطويعه، خصوصاً انّ المصارف لم تعد تريد العمل مع بعض رموز «حزب الله» تجنّباً للعقوبات الدولية». وتقول: «الجميع طلبَ من الحزب أن يَتّقي الله، لكنه لا يريد ذلك، وهو يُقاصص لبنان أكثر ليأخذه نهائياً الى المحور الايراني».
عبدالله
وقال عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب بلال عبد الله لـ«الجمهورية»: «كنّا في غِنى عن هذا التصريح، وكان من الأفضل للشيخ نعيم قاسم ألّا يصرّح بهذا الكلام، وعدم إحراج البلد، في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به لبنان»، متمنياً «ألّا يكون كلامه بمثابة «أمر اليوم» للحكومة لتحديد طريقة عملها».
وأضاف: «فليقدّم الشيخ نعيم قاسم البدائل، وإلّا هناك حكومة، تمثّلهم ويدعمونها، وقريبة من خطهم السياسي، فليتركوها تتخذ القررات». مكرراً التأكيد «أننا لا نوافق على هذا التصريح على رغم اننا كـ»حزب اشتراكي» غير متحمّسين لصندوق النقد الدولي وإجراءاته القاسية، لكن هناك ظرف دقيق، ويجب إعطاء اشارة ايجابية الى الخارج عبر إظهار الحكومة أنها صاحبة إجراءات وقرارات، وتصريح الشيخ قاسم مُسيء للبلد وللحكومة ولسمعتها في الخارج، ويدلّ على انها ليست صاحبة القرار»، مؤكداً أنّ «التوقيت خطأ».
سعيد
النائب السابق فارس سعيد يقول لـ«الجمهورية» «إنّ «حزب الله» ينزعج في كل مرة يحصل تكامل بين الشرعية اللبنانية والشرعية الدولية بشأن نقطة محددة، فيعمل على مواجهته»، مذكّراً في هذا السياق بمحطات عدة، منها، يوم طُرح القرار 1559 في أيلول 2004، وحرب تموز 2006 وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب بعد القرار 1701 للمرة الأولى منذ العام 1978، إلى قرار إنشاء المحكمة الدولية وغيرها».
ويضيف سعيد: «اليوم هناك إمكانية لإنقاذ لبنان من خلال تدويل عملية الاصلاح وتدويل عمليات إدارة الشأن العام وإدارة المال والاقتصاد، و»حزب الله» يعتبر انّ هذا الموضوع سيضع حدوداً لحركته المالية والاقتصادية، لذا هو يمتنع عن دعمه ويضع شروطاً على الحكومة اللبنانية عبر رفض تعاونها مع صندوق النقد الدولي، بينما يقرّ الجميع، بمَن فيهم حلفاؤه، انه اذا لم تتعاون الحكومة الجديدة بوصفها الشرعية اللبنانية مع الشرعية الدولية أي مع صندوق النقد، فإنّ لبنان ذاهب الى الانهيار الشامل».
ويؤكد انّ «معظم اللبنانيين يريدون هذا التكامل بين الشرعية اللبنانية والدولية، فيما «حزب الله» يتفرّد بنسف الشرعية اللبنانية».
ويتابع: «في المشهد العام، إنّ «حزب الله» ليس مستقلاً في حركته السياسية وليس هو من يأخذ القرار حتى في لبنان رغم ادّعاءاته الباطلة. هو جزء من الحرس الثوري، قراراته تتماهى مع السياسة الايرانية في المنطقة، والامرة على سلاحه وقراراته إيرانية».
ويؤكد سعيد أن «لا حل تقنياً لمعضلة سياسية، والمطلوب من حكومة حسان دياب أن تذهب الى التكامل مع الشرعية الدولية إنقاذاً للبنان».
ويضيف: «ما قاله الشيخ نعيم قاسم عن عدم التعاون مع صندوق النقد ليس مناورة إنما حقيقة. وبالتالي، اذا ذهبت حكومة دياب الى التعاون مع صندوق النقد على قاعدة الالتزام بالبرنامج التنفيذي لهذا الصندوق، تكون الحكومة قد بدأت وضع مسافة بينها وبين «حزب الله».
والأسوأ ما يتعلق بالنظام المصرفي اللبناني، يقول سعيد: «هناك شيء مدبّر بشأن النظام المصرفي حيث تحوّلت المصارف الى «خزانات أمانات»، ولا قدرة على التحكّم بالأموال والايداعات الموجودة في داخلها، وبات القطاع المصرفي الحقيقي في الضاحية الجنوبية، حيث يمكن لمَن يملك شيكاً مصرفياً مهما بلغت قيمته، أن يصرفه مقابل عمولة تصل الى نحو 30 %»، معتبراً أنّ ما يقوم به «حزب الله» هو هدم الدولة اللبنانية».
واعتبر انّ المُساكنة معه وغَض النظر عنه، إن من قبل من في هم في السلطة المتمثّلة بحكومة حسان دياب وبرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو من احزاب المعارضة المُمثلة في البرلمان، أي «الاشتراكي» و»المستقبل» و»القوات» وحتى «الثورة»، فإذا استمروا في التغاضي عن موضوع سلاح الحزب، وعدم الاعلان عن انّ الحل يبدأ برفع وصاية ايران عن لبنان، فلن نحقق أي نتائج للوطن».