تجاهل “حزب الله” مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري أمس سواء في كلمة لنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أو في بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية، واختار لعب دور “أبو ملحم” في الخلاف على تأليف الحكومة، وأشاح بنظره عن السجال الحاد الذي جرى بين حليفيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس بري، والاتهامات التي تقاذفاها بخرق الدستور.
والشيخ قاسم دعا رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، إلى الاتفاق لأن “نحن لا نملك لا قوة إلزام ولا نؤمن بأن يكون هناك فوضى وأعمال غير دستورية”… فيما الكتلة رأت أن “التنازلات المتبادلة ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصةً لأحد، معتبرة أن “الجهود والمساعي ينبغي أن يواصلها المسؤولون أثناء الأزمات”.
لا يخرج الأمر عن سياق المعادلة المعروفة في علاقة الحزب مع حليفيه اللدودين ومع الساحة السياسية في هذه المرحلة الحساسة. الرئيس بري “خط أحمر”، ويقال إن “التيار الوطني الحر” تبلغ بذلك من الحزب، رداً على انتقاده من رموز في “التيار” لانحيازه إلى رئيس المجلس النيابي بدلاً من أن يقف مع الحليف العوني. وليس سهلاً على الحزب أن يغض النظر عن أن الفريق الرئاسي تناول بري بالشخصي رداً على تمسكه بخيار الحريري في رئاسة الحكومة. وفي الوقت نفسه لا يريد الحزب خسارة الرئيس المكلف سعد الحريري لأنه حريص على إبقاء حالة المهادنة والهدوء في العلاقة السنية الشيعية التي يعتبر أن عودة الحساسية إليها تسيء له وتضعف دوره، على رغم أن هناك من فاتحه بفكرة ترشيح النائب فيصل كرامي لتشكيل الحكومة، فاكتفى بالاستماع لا غير. ويهادن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لأسباب عدة. وفي الوقت نفسه يجهد للاحتفاظ بتحالفه مع فصيل مسيحي رئيسي على الرغم من اعتراف قادته بأنه متعِبٌ له. فلا بديل للحزب عن هذا الحليف، على وجع الرأس الذي يسببه له مع الآخرين. فهو لا يمكنه الاكتفاء بقرب سليمان فرنجية والطاشناق منه، في ظل الخصومة مع حزب “القوات اللبنانية” ومع حزب “الكتائب” والحملات من قوى مسيحية أخرى. وفي الوقت نفسه فإن على الفريق الرئاسي أن يفكر ملياً بأضرار افتقاده لأي حليف على الساحة، إذ أنه على خلاف مع سائر الفرقاء الآخرين الوازنين، ومع الرموز الكبرى الدينية في الطائفة المسيحية، فضلاً عن أن جسوره مقطوعة مع الدول العربية والغربية.
السؤال الذي طرح نفسه هو عما إذا كان للحزب دور غير النصح، بعدما أعلن الرئيس بري في خضم الاشتباك الكلامي مع عون، أن “المبادرة مستمرة”. فالبعض يفترض أن استبعاد قاسم “قوة الإلزام” لحليفه العوني قد لا تعني إحجامه عن مواصلة ممارسة “قوة الإقناع” لمواكبة “التنازلات المطلوبة” من الحليف العوني، على رغم اعتبار الرئاسة أن بري أسقط صفة الوسيط عنه.
تأكيد بري استمرار المبادرة له مفعول أساسي إضافة إلى عدم إقفاله الباب، كما يفعل دائماً على إمكان تجديد التواصل مع الفريق الرئاسي، وهو أن اتخاذ الحريري خطوات تمهيدية للاعتذار سيبقى معلقاً طالما أن زعيم “المستقبل” ربط القرار في شأن هذا الخيار، بالتفاهم مع بري، إضافة إلى العواصم التي طالبته بالبقاء مكلفاً، أي باريس وموسكو والقاهرة. فرئيس البرلمان ليس في وارد تسليم الرئاسة الثالثة والبلد مجدداً، لفريق عون وأهوائه، قبيل الانتخابات النيابية.