IMLebanon

الحسّ السليم والشيخ نعيم

 

 

في عقل “حزب الله” الصراع مع إسرائيل ديني بحت. هو “مقاومة إسلامية في لبنان”، وكل خطابه السياسي مستعار من التراث الديني، وتحديداً من فقه شيعي غير مجمَع عليه. لا يوجد أي مساحة للمنطلق الوطني. آيات قرآنية تتصدر دواعي القتال، وآيات أخرى تبرر مصير “الشهداء”.

 

 

 

وهذا يعني أن العداء يتعدى العقيدة الصهيونية التي أقامت الدولة على أرض فلسطين، ليشمل كل اليهود بدءاً من “يهود خيبر” حين فتح الإمام علي بن أبي طالب أحد حصونهم قرب المدينة المنورة.

 

 

ويطغى الديني على الوطني مع الاستذكار الدائم لإحدى صفات الإمام علي وهي “داحي باب خيبر”، (داحي تعني اقتلع). البعد الديني في الصراع يشكل خدمة لإسرائيل. “معاداة السامية” أقوى دولياً من الإسلام السياسي خصوصاً بعنوانين مصنفين في خانة الإرهاب في عديد من الدول، وهما “حماس” و”حزب الله”.

 

ومن طبيعة الحرب الدينية أنها مسدودة ولا تفتح نوافذ للحلول. المسألة لدى الفقه الشيعي الممثل بنظرية “ولي الفقيه” تساوي بين إسرائيل ومجمل العرب. اليهود يجب رميهم في البحر، والمعركة ضدهم أبدية، مثلها مثل “المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية لا تنتهي أبداً” كما صرح المرشد علي خامنئي.

 

المضمر هنا أن “تحرير الأرض” ليس إلا ذريعة لمشروع ديني لا يعترف أصلاً بحدود الدول القائمة. والهدف الأسمى من التحرير هو “الصلاة في القدس”، وهذا دليل إضافي على غلبة البُعد الديني على الوطني، أما “نصرة الشعب الفلسطيني”، فلا وجود لضمانةٍ من يومٍ تصدر فيه فتوى تضع المسلمين الفلسطينيين، وأغلبهم من السُنة، في “معسكر يزيد”.

 

 

قد يبدو هذا الكلام في غير مكانه أو أوانه، بينما الناس تكتوي بيوميات الحرب، وتترقّب نهاية هذا الكابوس الذي يقتل البشر ويهدم الحجر، ويلقي بلبنان في التهلكة. ولكن “حزب الله” لا ينظر إلى الأوضاع إلا من هذا المنظار الديني، ومقاتلوه سائرون على طريق القدس لا على طريق مزارع شبعا.

 

 

وعندما نبحث عن حلول وطنية مستقاة من قواعد السياسات العامة يجب أن نأخذ في الحسبان الحدود التي يمكن أن يستجيب فيها “حزب الله” للوقائع التي تناقض حتماً تشبُّعَه بالغيبيات الدينية التي يستحضرها في غير مكانها وزمانها. وعندما يقول الشيخ نعيم قاسم إن حزبه بعد الحرب سيعمل “تحت سقف الطائف” تعود الذاكرة باللبنانيين إلى مسؤولية “الشيعية السياسية” التي كرسها حزبه بديلاً من دستور الطائف.

 

 

وفي تجارب الجماعات الدينية لا يوجد مراجعات جذرية، فأدنى مراجعة تنسف العقيدة التي لا تحتمل إلا أنواعاً من التقية السياسية، التي بدورها مستقاة من البعد الديني لا الوطني.

 

لقد قامت بعض الأحزاب اليسارية بمراجعات صادقة كهذه ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن وقع الضرر. الشيخ قاسم وبعد كل ما حصل مراجعته كانت أن ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، هي “الرصيد المتبقّي الذي نستطيع من خلاله أن نبني وطننا”. كيف يمكن ردم هذا الوادي السحيق بين “الحس السليم” والشيخ قاسم، عندما تكون الثلاثية التي حطمت لبنان هي “الرصيد المتبقي”؟