قد يزيد تعيين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لحزب الله بديلاً عن هاشم صفيّ الدين الذي لم تمكّنه إسرائيل من تسلّم هذا المركز فاغتالته حتى قبل قرار صدور تعيينه، وبالأمس أصدرت تهديداً علنيّاً للأمين العام الجديد بإلحاقه بسابقيْه، وصحيح أن نعيم قاسم على رأس الأمانة العامّة للحزب قد يزيد الأمور تعقيداً وتشدّداً إلّا أنّ أهم ما في هذا التعيين أنّه كان طوال الفترة الماضية الأقدر والأفضل في التنظير لنظريّة الوليّ الفقية وأهمّ من كتب عن علاقة حزب الله بإيران.
يقول حجة الإسلام فخر روحاني – سفير إيران في لبنان – في مقابلة أجرتـها معه صحيفة اطّلاعات الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول عن لبنان: “لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون”.
على هامش “المؤتمر الأول للمستضعفين” اجتمع الخميني بعدد من علماء ودُعاة الشيعة وكان من بينهم: محمد حسين فضل الله، صبحي الطفيلي، وممثل حركة أمل في طهران إبراهيم أمين، وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد،وعاد الوفد إلى لبنان، وكثَّف اتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران، ثم تكرر لقاؤهم بالخميني، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لحزب الله. يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة الشراع: “من أنتم.. حزب الله (2)”:
“ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب ضمت 12 عضواً هم: عباس الموسوي، صبحي الطفيلي، حسين الموسوي، حسن نصرالله، حسين خليل، إبراهيم أمين، راغب حرب، محمد يزبك، نعيم قاسم، علي كوراني، محمد رعد، محمد فنيش”.. ولم يكن هؤلاء وحدهم نواة التأسيس لحزب الله، إنما كان معهم عشرات من الكوادر والشخصيات الإسلامية الأخرى وكان معها كوادر أمنية أخرى ظلّت أسماؤها طي الكتمان”، وكان مركز قيادة الحزب الفعلي لا الشكلي هو مقرّ السفارة الإيرانية، ومن الأطراف التي كانت تشارك في اجتماعات قيادة الحزب وفي اتخاذ القرارات، سفير إيران السابق في دمشق – محتشمي – وقائد الحرس الثوري في لبنان، وحزب الله اللبناني عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي تأسس في طهران عام 1981، وعندما جاءت الأوامر والتعليمات من الخميني، قال معظم شيعة لبنان سمعاً وطاعة للإمام وحكومته، فقولوا لنا كيف تتماشى السياسة والديمقراطيّة والإنتخابات النيابيّة والبلديّة والنقابيّة واختيار الشعب اللبناني ممثليه بحريّة أمام الكلمتين السحريتيْن اللتين سيطرتا على عقول الشيعة في لبنان وهما: السّمع والطّاعة” للإمام المعصوم المقدّس (ونائب المهدي المنتظر) وحكومته؟!
قد يكون الكلام الآتي مفاجأة صادمة للبعض إلا أنّنا ننقل هنا ما جاء في كتاب “الحروب السرية في لبنان” لكاتبيْن آني لوران وأنطوان بصبوص. Publishers غاليمار فرنسا:”يتولى الخميني أعلى المسؤوليات في لبنان،ونظراً لبعده عن لبنان يفوّض صلاحياته التشريعيّة والتنفيذية والقضائية إلى نائبه محمد مهدي شمس الدين الذي يرأس لجنة ولاية الفقيه”،يبدو اسم الإمام الرّاحل محمد مهدي شمس الدّين ـ وكان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـ غريباً ونافراً هنا نظراً لوصيّته الشهيرة للشيعة عموماً في كلّ دولهم العربيّة أن يكونوا تابعين ومواطنين أصيلين فيها وأن يبتعدوا عن الولاءات الخارجيّة!
يقول أمين عام حزب الله الجديد الشيخ نعيم قاسم في كتابه “حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل”:
إن “القيادة الشرعية هي للولي الفقيه كخليفة للنبي والأئمة (الشيعة) وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة وأمره ونهيه نافذان”.
غداً.. حزب الله.. لبنان مجتمع حرب