بات نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من الثوابت اليومية في نشرات الأخبار. يبحث عن مناسبات ويبتكر أخرى ويزور مجالس عزاء، ليواسي أهالٍ فقدوا أبناءهم في حروب إيران، وللتحدث والتهجّم على كل مَن يعارض مشروعه. يهاجم 14 آذار ويتّهمها بتعطيل مجلس النواب ويدعوها للتوافق مع 8 آذار، ومن ثم يفرض معادلاته عليها. يدعوها لعدم مقاطعة جلسات البرلمان ولعدم تعطيل البلد، ومن ثم لا يسمح بانتخاب رئيس للجمهورية إلا بشروطه وبمرشحه. يتحدث عن تنظيم «داعش» الإرهابي، «الذي لا يقبل إلا مَن هو على شاكلته ويذبح كل مَن يخالفه». ومن ثم يمعن حزبه بقتل كل مَن يعارضه على مساحة الوطن العربي. يُسخّف كل ما يقوله الكُتّاب والصحافيون والصحف، في ردودهم على تصريحات مسؤولي «حزب الله»، ويصف كل ذلك بـ»الصراخ»، ومن ثم يخرج هو وأمينه العام السيد حسن نصرالله ومسؤولو حزبه للردّ على هذا «الصراخ»! إذا كان كل ما يقوله الطرف الآخر هو مجرد «صراخ»، فلماذا يبتكر الشيخ قاسم وغيره المناسبات للردّ على هذا الصراخ؟!
«في الحقيقة إذا أردنا أن نعطي جائزة نوبل للتعطيل، فإنّ «14 آذار» أكثر مَن يستحقها، لأنّها عطّلت الدولة في كل مراحلها، وبدأت بالأصل بتعطيل مجلس النواب من خلال امتناعها عن حضور جلسات سلسلة الرتب والرواتب»، يقول الشيخ قاسم خلال إحياء ذكرى أسبوع مقتل أحد أبناء بلدة الحلوسية الجنوبية.
ينفصل قاسم عن الواقع، فيتّهم «14 آذار» بتهم «لابستو لبس»! هل فعلاً يستطيع قاسم أن يقنع نفسه وجمهوره بكلامه؟ الاقتناع والإقناع هنا يختلفان عن التأييد. يمكن أن يؤيّد جمهور «حزب الله» سياسته في ظل خطاب مذهبي مستعر في لبنان والمنطقة. لكن الإقناع هو أمر يقتحم اللاوعي عند كل فرد. كل فرد من هذا الجمهور بات يتابع ويعلم جيداً ما يجري من حوله. يعلم أن «حزب الله» عطّل ويعطّل الانتخابات، بانتظار معطيات إقليمية جديدة، يفرض من خلالها أجندته على اللبنانيين. يعلم أن قاسم، الذي خيّر 14 آذار الأسبوع الماضي بين «انتخاب عون رئيساً» أو لا انتخابات، هو الذي يعطّل البلد، ربما للوصول إلى دولة فاشلة تُسهّل تطبيق المؤتمر التأسيسي. يعلم أنّ مَن انقلب على طاولة الحوار اللبنانية لفرض منطقه بالسياسة والعسكر لا يحق له التحدث عن معنى الشراكة.
يفاجئنا الشيخ قاسم عندما يتباكى على الشراكة ويتهم 14 آذار باحتكار الوطن. ينسى الشيخ أو يتناسى بأن الشراكة الحقيقية تعني التوافق بين مختلف الأطراف على القضايا الوطنية. فأين هو وميليشياته وسلاح حزبه من هذه الشراكة؟ أين الشراكة في قرار الحرب والسلم، ومَن يحتكر ذلك؟ أين الشركة في زجّ آلاف اللبنانيين في حروب المنطقة؟ أين الشراكة في قرار الدفاع عن نظام الكيماوي في دمشق؟ أين الشراكة في فرض مرشحه الرئاسي على قوى 14 آذار؟ أما قوله بفشل قوى 14 آذار في بناء الدولة، فإنّ الفضل في هذا الأمر يعود للشيخ قاسم ولحزبه وللسلاح الذي يحاول فرض منطق الدويلة على الدولة.
أما اتهام 14 آذار بالمراهنة على المتغيرات الإقليمية والدولية، فلطالما راهنت هذه القوى على الشعب السوري وعلى نجاح ثورته في تغيير نظام «البراميل»، وفي إقامة دولة مدنية تعددية، على الرغم من وجود جماعات تكفيرية معروفة المصدر والأهداف. والحقيقة أن الشيخ قاسم هو مَن يراهن على بقاء النظام السوري الذي فَقَدَ حتى الآن أكثر من 70% من الأراضي. وبات هو ومحوره في وضع حرج، استدعى على أثره قاسم سليماني آلاف «الشيعة العرب» للتضحية بهم في الدفاع عمّا تبقى من مدن في يد نظام البراميل، وربما في الدفاع عن «دويلة» مذهبية تفقد أبسط مقومات الحياة.
ويختم قاسم «أمره اليومي» بدعوة «14 آذار» للقبول بـ»الأيادي الممدودة للسير معاً»، وإلا فستتخلّف هذه القوى عن الركب، لأنّ «حزب الله» هو اليوم أقوى من أي وقت مضى! ربما يتوجّب على الشيخ قاسم القبول بأيادي 14 آذار الممدودة منذ سنوات، ولكن بمنطق الدولة والشراكة الحقيقية، بأن يحضر حزبه جلسة انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، حفاظاً على الوجود المسيحي الذي يتباكى عليه قاسم ومحوره، وبأن يتوقف عن «الصراخ»، حتى وإن حاز على جائزة نوبل فيه!