Site icon IMLebanon

سذاجة دي ميستورا وتاريخ الأسد

في ظن روسيا واعتقاد الأمم المتحدة أن الحراك الديبلوماسي المتقطع الذي ترعيانه والاجتماعات والمشاورات التي تنظمانها في هذه العاصمة أو تلك، مع أطراف في المعارضة السورية، ومع ممثلين هامشيين لنظام الأسد، يمكن أن تؤدي جميعها إلى تسوية للحرب الأهلية في البلد المدمر، تشبه النهايات السعيدة للأفلام الهندية أو المسلسلات التركية.

لكن الوسطاء الدوليين المعنيين بسورية، وفي مقدمهم دي ميستورا الذي وضع صيغة «أكاديمية» للتسوية كما يراها، يحاولون تجاهل ما يعرفونه تماماً من أن الأسد ورجاله لن يدخلوا في أي حل لا يضمن استمرار حكمهم وبقاء نفوذهم ومصالحهم، ليس فقط لأنهم لا يزالون قادرين على القتل والمراوغة ومقاومة الضغوط، بل لأنهم لا يرون، بسبب تركيبتهم الطائفية والأيديولوجية، أن هناك حلولاً وسطى للأزمة. فهم إما ينتصرون بالكامل وينضم العالم كله إلى صفهم مصفقاً تحت شعار «محاربة الإرهاب»، وإما سيظلون يقاتلون حتى النهاية، طالما يجدون من يقدم لهم الدعم السياسي والعسكري، ومن بين هؤلاء روسيا نفسها التي تنتحل دور الوسيط.

وأمام هذا الواقع، يعمد هؤلاء الوسطاء إلى التحايل وتفخيخ اقتراحاتهم بتضمينها فقرات غامضة تحتمل أكثر من تفسير واجتهاد، إن لناحية مغزاها السياسي أو مداها الزمني أو لجهة إمكان تطبيقها العملي. ولنأخذ مثلاً الفقرة في خطة دي ميستورا التي تقول انه تسبق المرحلة الانتقالية مرحلة تمهيدية تتمتع خلالها الهيئة الحاكمة الانتقالية بسلطات تنفيذية محددة (المقصود محدودة) تمتد لفترة زمنية لا يحددها النص، أي تترك لاتفاق الأطراف المعنيين.

يعني هذا الاقتراح أن الفترة الانتقالية التي نص عليها بيان «جنيف 1» تناسلت وأنجبت فترة جديدة مائعة، وقد تنجب غيرها بحسب الظروف والأوضاع الميدانية والسياسية، وأن ما ذكره البيان عن منح الهيئة الانتقالية صلاحيات كاملة لم يعد وارداً في فترة أولى ليس معروفاً متى تنتهي. وهو ما يدعو إلى التذكير بتجربة نظام الأسد اللبنانية في تطبيق اتفاق الطائف الذي نص على انسحاب الجيش السوري وتسليم الأمن إلى السلطات اللبنانية بعد سنتين كحد أقصى من تاريخ توقيعه، وكيف أنه ماطل 16 عاماً في التنفيذ بحجج مختلفة اختلقها، ورعا الانقسامات اللبنانية وشجعها حتى يبقى ممسكاً بعنق البلد وقراره، ولم يخرج من لبنان إلا بعد ارتكابه جريمة مروعة اضطرت دولاً كبرى إلى إنذاره بالخروج، فكيف وهو اليوم في أرضه و «منتخباً رسمياً» وتعترف أطراف عديدة بـ «شرعيته»، من بينها الأمم المتحدة؟

ولنا أن نتساءل ما ستكون عليه المرحلة التمهيدية الانتقالية إذا ظل الأسد ممسكاً خلالها بالأجهزة الأمنية والعسكرية؟ وماذا سيحصل لقوات المعارضة إذا كان «داعش» الذي ينسق مع النظام ويخوض معاركه بالوكالة عنه، سيواصل هجماته على مواقعها، فهل يستطيع أحد عندها ضمان أن قوات النظام لن تهاجمها أيضاً تحت غطاء منع «داعش» من التقدم؟

وفي فقرة أخرى، يقول دي ميستورا إنه في حال إخلال الأطراف بتنفيذ بنود التسوية، سيجري مشاورات مع دول مجموعة الاتصال ويرفع توصياته إلى مجلس الأمن. لكن هل يمتلك هذا المجلس قراراً موحداً يستطيع فرضه على دمشق، ما دامت موسكو تتمتع فيه بحق النقض وتعتقد أن الأسد هو «الرئيس الشرعي» لسورية الذي لا يجوز استبداله أو اشتراط رحيله لبدء أي تسوية، بل تروّج معلومات حالياً عن زيادة انخراطها العسكري إلى جانبه؟

الموفد الدولي ليس ساذجاً بالتأكيد، بل يتعامل مع الوقائع الدولية التي تشي بأن الأميركيين أنفسهم ليسوا راغبين في إسقاط الأسد، حالياً على الأقل، وأنهم يمنحون أولوية مطلقة للحرب على «داعش»، لكنه يصبح ساذجاً عندما يسقط من اعتباره تاريخ بشار الأسد الدموي الذي يؤكد أنه لا يمكن أن يتنازل طوعاً ولو عن صلاحية بروتوكولية واحدة.