IMLebanon

منقوشة زعتر

 

 

المواطن العرسالي ناجي فليطي شنق نفسه لعجزه عن شراء منقوشة زعتر عادية وليست “اكسترا” لابنته رنيم. بالطبع لم يجد مجرمو الشأن العام عندنا داعياً للتوقف عند هذا الخبر. ربما هم لم يسمعوا به. لا وقت لديهم لمثل هذه التفاصيل التافهة. في الأساس لا وقت لديهم لهذا الازعاج الخارج من شوارع لبنان من أقصاه الى أقصاه الذي يقوِّض سعيهم الى مجدهم.

 

وهم معذورون لأنهم منشغلون بما هو أهم من وصول انسان إلى ما تحت خط الفقر بكثير، بحيث تصبح أنفاسه بحد ذاتها عبئاً يجب التخلص منه.

 

لم يختر ناجي الوقت المناسب للانتحار. لم يدرك أن من يفترض ان يؤمن له الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، حتى غير الكريمة، يعمل على افتعال الأزمة تلو الأخرى لإغراق اللبنانيين في صعوبات معيشية وفخوخ أمنية، يحسب انها تحول دون تطور الثورة وصولاً الى الإطاحة به وبزملائه في السلطة ورميهم الى حيث يستحقون.

 

لو أن لدى هذه الطبقة الحاكمة ذرة من الضمير لما احتاج ناجي أن ينتحر لأن ضميره أثقل عليه عندما أصبح غير قادر على تأمين رزق عياله كفاف يومهم، ففضل الرحيل على معايشة الجوع الذي سيفتك بالعيال. في حين أن الجوع المزمن الذي يحرك مجرمي الشأن العام إلى السلطة والنفوذ وتكديس الثروات من أموال ناجي وغيره من اللبنانيين، يجعل الدوس على شعب بكامله تفصيلاً تافهاً في همتهم، فهم مستنفرون لتركيب حكومة تحفظ لهم مصالحهم ولا تنتقص منها أي مورد من الموارد التي كانوا قد شلوا البلاد حوالى العام لتشكيلها على قياسهم.

 

لو أن لديهم ذرة من الشعور بالشأن العام لما عجز ناجي عن تأمين ألف ليرة ثمناً لمنقوشة رنيم، لما انسحب بصمت وربط الحبل حول عنقه وغادر من دون أن يقبّل طفلته وشقيقها.

 

لو أن ناجي مسنود إلى حزب يُحسب حسابه في اللعبة السياسية المكشوفة، لكانت تتابعت المواقف الشاجبة وبرقيات التعزية وسؤال الخاطر. ولكانت العائلة وجدت من يرعاها بعد الرحيل المأسوي لمعيلها، ولكانت التبرعات انهالت على اليتامى لتأمين معيشتهم وتعليمهم.

 

لكنه فرد من عرسال، التي أرادوا لها ان تكون مسرحاً لتمثيلية إرهاب اصطنعوا فصولها حتى يبرروا انخراطهم في مشاريعهم المشبوهة على حساب الشعب اللبناني، ويسطروا انتصاراً جديداً يزيد من إحكام قبضتهم على البلاد والعباد، ويدجنوا كل من كان يزعجهم من أعضاء هذه الطبقة السياسية المتهالكة على صراع النفوذ وانكار وجود شعب يؤمن لها هذا النفوذ. لا أحد بريئاً من مأساة ناجي. “كلهن يعني كلهن” شركاء في الجريمة. وعلى ما يبدو “كلهن يعني كلهن” سيواصلون جرائمهم بحق ناجي ورنيم وغيرهما من اللبنانيين، ولن يغصوا بمنقوشة زعتر يضاف إليها الزيتون والبندورة والنعناع لتصير”اكسترا” فيستسيغوا مذاقها وتليق بهم عندما يشتهون تناولها بين الفينة والأخرى.