IMLebanon

ما الأسباب التي تشجِّع ميقاتي على التكليف؟

 

فور إعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن تأليف الحكومة، برز بقوّة اسم الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة المقبلة، فهل من مصلحته قبول هذه المهمة؟ وما العوامل التي قد تشجعه على التكليف؟ وهل التكليف يُفضي إلى تأليف أم اعتذار؟ وهل التأليف يخرج لبنان من أزمته، أم ان الأزمة ستراوِح مكانها وتتطور لأنّ المشكلة في الأكثرية لا في الحكومة؟

 

نجح الرئيس نجيب ميقاتي في أوّل حكومة تولّى رئاستها في العام 2005 بِنقل لبنان بسلاسة من مرحلة الوصاية السورية التي دامت 15 عاما إلى مرحلة جديدة، فنظّمت حكومته الانتخابات وأشرفت عليها. وبعد تشكُّل البرلمان الجديد سلّم مفاتيح السرايا الحكومية إلى الرئيس فؤاد السنيورة، دخلت البلاد بعدها في انقسام عريض بين قوى 8 و14 آذار، ولم يعد إلى السرايا سوى على حساب الفريق الذي كان قد سلّمه مفاتيحه. لكنّ حكومة اللون الواحد التي ترأسها في العام 2011 لم تبدِّل في السياسات التي كانت معتمدة، فأصرّ على تمويل المحكمة الدولية ولم يسمح بالمساس بشعبة المعلومات التي وَفّر لها الغطاء السياسي وحافظ على علاقات لبنان الخارجية وحوّلَ حكومته من رأس حربة ضد فريق 14 آذار، كونها حكومة 8 آذار بامتياز، إلى حكومة بوظيفة عادية، وخرج من السرايا على خلاف مع الفريق الذي كان وراء ترئيسه الحكومة، وعاد وتصالح مع بيئته وأصبح ركناً من أركان نادي رؤساء الحكومات.

 

ولو قيِّد للحريري ان يؤلِّف الحكومة لما آلت الفرصة إلى ميقاتي، لأنّ رئيس «المستقبل» كان يعدّ العدة لإقامة دائمة في السرايا في المرحلة المتبقية من العهد الحالي ومرحلة الفراغ التي ستليها والعهد الجديد الآتي بعدها. وبالتالي، ثمة فرصة لميقاتي للدخول للمرة الثالثة إلى السرايا، وقد لا تتكرر مرة ثانية، فهل سيلتقطها؟ وهل اللحظة المالية والسياسية مناسبة ليقبل التكليف فالتأليف؟ وماذا عن القوى المُمسكة بالقرار، فهل ستسهِّل مهمته ام ستعقِّدها من أجل عرقلتها تأسيساً على التجربة معه ومَيلها لعدم تكرارها؟ وهل تملك هذه القوى تَرَف استمرار الوضع الحالي المتدهور بشكل يومي؟ وهل قبول ميقاتي التأليف فالتأليف يمكن ان يفرمل الانهيار أم ان الأوضاع ستبقى على حالها؟

 

وفي الإجابة عن التساؤل ما إذا كان من مصلحة ميقاتي ان يتقدّم ليتكلّف، يمكن التوقف أمام 6 أسباب موجبة تشجِّعه على قبول هذه المهمة:

 

أولاً، لأنه بكل بساطة لو آلت للحريري لما آلت إليه، ولأنه في أي عهد جديد سيعود الحريري رئيساً للحكومة، ولن يترك هذه المهمة لغيره. وبالتالي قد تكون فرصة ميقاتي اليوم هي الأخيرة من نوعها إلا في حال استجدت ظروف سياسية أعادت طرح اسمه مجدداً على غرار الاشتباك العوني مع الحريري الذي حال دون ترؤسه الحكومة على رغم إصراره على مدى 9 أشهر للدخول إلى السرايا.

 

ثانياً، لأنّ ثمة «مومنتم» دولي لا يرى حلاً في لبنان سوى عن طريق الحكومة، ويركِّز كل جهده وضغطه ويضع أولويته لتأليف حكومة، ويريد حكومة بمواصفات محددة ليتمكّن من مساعدة لبنان تجنباً لانهياره. وبالتالي، سيستفيد ميقاتي حكماً من هذا المناخ الدولي الداعم للبنان والذي يتصدّر الاهتمامات الدولية، فضلاً عن انّ لميقاتي شبكة علاقاته الخارجية وقادر على الاستفادة من الدينامية الدولية.

 

ثالثاً، لأنّ اي رئيس حكومة لن يتحمّل مسؤولية الانهيار الذي وصل إليه لبنان، بل ستكون الأنظار مشدودة باتجاهه لفرملة الانهيار، واي إنجاز صغير يحققه سيصبّ في رصيده، فإذا أعاد مثلاً وَضع البنزين إلى طبيعته سيُعدّ «بطلاً» عند الناس التي مَلّت من الوقوف طويلاً في صفوف الذلّ أمام محطات الوقود، وهكذا دواليك. وبالتالي، لن يخسر شيئاً كونه يستطيع القول بسهولة: قبلتُ المهمة من أجل لبنان واللبنانيين على رغم معرفتي المسبقة بصعوبتها. وفي حال نجح بفِعل القليل، وباستطاعته ذلك، سيعزِّز رصيده، خصوصاً ان المجتمع الدولي يريد مدّ لبنان بالمساعدة التي تحول دون انهياره.

 

رابعاً، لأنّ العهد الذي رفض وَضع الماء في نبيذه مع الحريري بسبب الخلاف الشخصي بينهما، سيضعه في نهاية المطاف مع ميقاتي كون من مصلحته وقف الانهيار عشيّة الانتخابات النيابية ومن ثمّ الرئاسية. وبالتالي، العراقيل التي وضعت أمام الحريري عمداً وقصداً لن تكون هي نفسها مع ميقاتي، حيث من مصلحة الجميع التنازل بحدود معينة وصولاً إلى التسوية التي لطالما تحدّث عنها النائب السابق وليد جنبلاط.

 

ويبرز في هذا الإطار توزيع للأدوار بين الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، حيث يوجِّه الأول رسائل إيجابية لميقاتي حيال المرونة التي يتحلى بها وإمكانية الوصول معه إلى حكومة من خلال تنازلات متبادلة، فيما يروِّج الثاني لرفضه التعاون مع ميقاتي واتجاهه لعدم تكليفه، وذلك في سياق سعيه إلى تحسين شروط مفاوضاته قبل التكليف مع ميقاتي و»حزب الله» في محاولة لانتزاع وتحصيل المكاسب التي يريدها في الحكومة العتيدة، فهو يربط النزاع في التأليف عن طريق التكليف، ولكنه في نهاية المطاف بأمسّ الحاجة إلى حكومة لتُصبح في مواجهة مباشرة مع الناس خلافاً لواقع الحال اليوم حيث انّ المواجهة هي بين الناس والعهد، فضلاً عن ان الأوضاع تزداد سوءاً بشكل متسارع، وفي حال لم يقبل بتكليف ميقاتي وعَقّد مهمته في التأليف فإن الانهيار الكبير يصبح حتمياً.

 

خامساً، لأنّ من مصلحة «حزب الله» تأليف حكومة تجنباً لسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، فيفقد ورقة إمساكه بالدولة اللبنانية، فيما وجود حكومة يعزِّز إمساكه بهذه الورقة، ويؤدي إلى ترييح بيئته. ولذلك، لن يفوِّت فرصة التأليف، ولكنه من دون شك سيكون بحاجة إلى بعض الضمانات من الرئيس الذي سيكلّف تتعلّق بالإصلاحات التي يمكن اعتمادها، كما انّ الحزب يحاول تجنُّب اي استفزاز للبيئة السنية ويتّبِع سياسة الموافقة على ما توافق عليه، لأنه يحرص في هذه المرحلة على مواصلة التبريد مع هذه البيئة، وهذا ما جعله ويجعله في موقع النقيض مع العهد والرافض لمجاراته على هذا المستوى.

 

سادساً، لأنّ الناس الغاضبة والمحتقنة والقلقة، والتي تواجه الذل في يومياتها وعلى مختلف الصعد، ستتلقّف تأليف حكومة يمكن ان تولِّد صدمة إيجابية وتوقِف صعود الدولار وتفرمل الانهيار، وعلى رغم غضبها من السلطة، إلّا انّ واقعها المرير قد يدفعها إلى منح الحكومة العتيدة فرصة، وبالتالي سيستفيد الرئيس الجديد من هذه الفرصة التي تشكّل، بشكل أو بآخر، غطاء شعبياً له ولخطواته.

 

وماذا عن العقَد التي حالت دون الاتفاق بين العهد ورئيس «المستقبل»؟ وهل سيتمكّن من تحقيق الإصلاحات التي عجزت عنها الحكومة المستقيلة؟ ولماذا ثمة فرصة اليوم لم تكن موجودة بالأمس؟

 

فالعقد التي وضعت في طريق الحريري كانت مفتعلة في ظل غياب النية لتأليف حكومة برئاسته، حيث انّ العهد وضع منذ لحظة تكليف الحريري هدفاً واحداً وهو إحراجه لإخراجه، ولم يكن في وارد تشكيل حكومة معه، الأمر الذي يختلف مع ميقاتي وغيره، ولكن هذا لا يعني ان الاتفاق مع العهد سيكون مسهّلاً بسبب مطالبه الواسعة في مرحلة بدأ فيها العد التنازلي لنهاية ولايته.

 

ومن حظ أي رئيس مكلّف يحظى بتغطية معقولة، وتحديداً من بيئته، ان يَلقى دعماً خارجياً فورياً، وتفهّماً شعبياً مقبولاً، وفي حال نجح في التفاوض مع صندوق النقد فإنه سيفتح باب المساعدات التي وحدها تشكل إنقاذاً للواقع المالي اللبناني.

 

وتأسيساً على التجارب السابقة لم يعد من السهل توقُّع اي شيء مع العهد الذي لا يقيم اي اعتبار سوى لمصالحه، ولكن الأسئلة التي لا إجابة عنها اليوم تكمن في الآتي؟ لماذا ينجح ميقاتي حيث فشل الرؤساء حسان دياب ومصطفى أديب وسعد الحريري؟ وهل التكليف يعني التأليف حكماً؟ وهل التأليف يعني بداية خروج لبنان من أزمته المالية؟ وهل المجتمع الدولي سيتلقّف ولادة الحكومة لِمدّ لبنان بالمساعدات، ام انّ هناك توجهاً لتركه وشأنه بانتظار انهياره الشامل الذي يشكل وحده مدخلاً لإعادة تركيبه على أسس جديدة صالحة لقيام دولة، لأنّ الأسس الحالية تعني تمديداً لواقع تغييب الدولة؟