يوم 16 أيار من هذا العام نشرت جريدة النهار مقابلة أجرتها رئيسة التحرير مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي أبدى ارتياحه لإجراء الانتخابات، رغم اتسامها بمخالفات في بعض المناطق، وهو لم يكن له يد في التحضير للعملية التي قام بها مشكوراً وزير الداخلية الذي جسد صورة الوزير المخلص والشجاع.
قبل مقابلة الرئيس ميقاتي مع «النهار» بيومين أدلى بتصريح قال فيه: «لا أدري لماذا انتقاد الحكومة… وهي حكومة أعضائها كالذهب الخالص»، والواقع دولة الرئيس أن المواطنين لديهم تقدير لبعض الوزراء وأخصهم وزير المالية، ووزير الداخلية، ووزير التربية وإلى حد ما وزير الأشغال الذي أبدى تحركاً في قضية تلزيم تفريغ الحاويات في مرفأ بيروت من قبل شركة عالمية هي شركة CGM-CMA التي هي شركة فرنسية تُعتبر على صعيد الحجم ثاني أكبر شركة للنقل البحري ولديها مساهمون لبنانيون رئيسيون، وهنالك شكر لوزير الاقتصاد الذي تمكن من تأمين قرض ميسّر من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار لدعم مستوردات القمح وتسعير الرغيف للمواطنين، وأخيراً تصريحات وزير الإعلام الجديد التي تبدو مريحة في مقابل تصريحات جورج قرداحي سابقاً.
ونسأل رئيس الوزراء أين يكمن الذهب في خصائص عمله وتوصياته، وجل ما كان يناقشه هو تخفيض عجز ميزان المدفوعات عن طريق تخفيض استهلاك اللبنانيين؟! والأمر الأكيد أن المستوردات التي انخفضت بنسبة 50٪ عام 2021 لا يمكن تخفيضها عبر تقليل استهلاك العائلات اللبنانية، فهنالك 50٪ من العائلات اللبنانية لا يؤمنون ثلاث وجبات لأبنائهم، وفي الوقت ذاته هم مجبرون بسبب إخفاق جميع الحكومات التي تألفت منذ عام 2013 عن تأمين الكهرباء بأسعار مقبولة لإنجاز العمليات في المستشفيات والإضاءة للتلامذة، كما أن ارتفاع سعر الـ20 ليتر البنزين من 26 ألف ل.ل. منذ بضعة أشهر إلى 500 ألف ل.ل. يحول دون تنقل اللبنانيين للعمل واستنشاق الهواء.
رئيس الوزراء هو بالتالي غائب عن الاعتبارات والبرامج الرئيسية المطلوبة لإنعاش الاقتصاد اللبناني والحفاظ على لبنان كمقصد سياحي واستشفائي دراسي لغالبية البلدان العربية، وهو ربما لا يعلم أن مدرسة SABIS التي طوّرها مؤسّسو مدرسة الشويفات على أسس لا طائفية منذ حوالى 100 عام أصبحت مؤسسة عالمية تحوز ثقة السلطات في العراق، والكويت وأبوظبي وبريطانيا وألمانيا ولديها عدد من التلامذة يفوق الـ85 ألف طالب من جنسيات مختلفة منها المنتسبين إلى 14 مدرسة مؤسسة في ولايات أميركية تعاقدت مع شركة سابيس على إدارتها.
إنّ حكومة نجيب الميقاتي غير مهيّأة دستورياً لتنفيذ مشاريع إنقاذية وقيادتها غائبة عن هذا التحدي.
الرئيس ميقاتي في حديثه مع رئيسة تحرير النهار لم يبيّـن أي مشروع اقتصادي، اجتماعي أو إنمائي، بل اكتفى بالعموميات، وهذا ما يفعله منذ سنوات، والحقيقة أن محاسبته على إنجازاته غير واردة، فهو سمح بتزايد أعداد الموظفين إلى حد يناقض نية الدولة عام 2013 بتخفيض عددهم.
وهو من حقق مع شقيقه ثروة مستحقة لأنهما أدركا التحوّلات الهاتفية والرقمية وتمكنا من احتلال موقع متقدم في هذه الخدمات سواء في لبنان أو الخارج، لكن الرئيس ميقاتي لم يتحدث عن تخصيص قطاع الاتصالات الذي أدى تكاثر أعداد موظفيه إلى تردي الخدمات وزيادة الكلفة إلى أعلى مستوى في منطقة الشرق الأوسط.
إنّ اللبنانيين يتساءلون كيف لحكومة تصريف أعمال أن ترسم طريق استعادة العافية، والتي من مستوجباتها تمكين القطاع المصرفي من التعافي ولو كان ذلك على حساب محاسبة رؤساء ومدراء البنوك الخمسة الكبرى وإخضاع موجوداتهم النقدية والعقارية لقيود قانونية تمنع التصرّف بها سواء في لبنان أو الخارج، وقد شاهدنا أمثلة على هكذا ممارسات غير محقة بحق أكبر شركة لنقل النقود وتوظيفات، مهندس لبناني ناشط ومثابر أجبر على تقديم ضمانة ملحوظة من أجل إطلاق سراحه بعد شهرين لم يتم خلالهما تقديم براهين على أن موارده استلبت من القطاع العام بالتأكيد.
الرئيس ميقاتي يصف وزراءه بنقاوة وقيمة الذهب وبعض الوزراء، الذين ذكرنا صفاتهم وفروا البراهين الحسية على توجهاتهم نحو تحسين الإدارة وزيادة الموارد الخاصة بالحاجات الغذائية والتعليمية.
نريد من الرئيس ميقاتي أن يطرح مشروعاً واحداً مفيداً لاستعادة عافية الاقتصاد، وهو يؤكد على أهمية التعاون مع الدول العربية ويتقبل في الوقت ذاته ممارسات شاذة في كبح التوجهات الديموقراطية، وتقديم المشاريع المهمة.
الميقاتي مثلاً لم يطلب من غسان حاصباني نائب رئيس الوزراء سابقاً أن ينجز مشروعاً لتخصيص خدمات الاتصالات، وهو أي حاصباني حقق عملية تخصيص شبكة هاتفية تخص الطرف السعودي في تركيا لقاء نتائج وفرت للسعوديين مردوداً أفضل.
والرئيس ميقاتي الذي يدرك أن المشكلة الرئيسية التي تعوق لبنان عن النمو هي اهتراء أسس الإدارة العامة والتعرّض لمستوجباتها بتأخير التعيينات القضائية وتوسيع التدخل في شؤون القضاء، وهو أولى سفيرة لبنانية محترمة أحسنت تمثيل لبنان في سويسرا مسؤولية تطوير الإدارة العامة، فكيف لهذه السيدة أن تحقق خدمة ذهبية في ميدان بعيد عن اهتمامها وخبرتها؟!.. دولة الرئيس انتهى عهدكم، وقريباً إن شاء الله ينتهي عهد «التيار» بعد انهزامه في الانتخابات النيابية.