المعارضون في محاور مُختلفة… والسفيرة غريو نقلت دعماً فرنسياً مُتجدّداً
المعارضون لتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة مع اولئك المترددين او المتريثين في حسم موقفهم، يشكلون كتلة عددية كبيرة في مجلس النواب. لكن اغلبهم مقتنع، كما يقول احدهم، بأن لا بديل عنه في الوقت الحاضر، عدا عن استحالة تحقيق اتفاق في ما بينهم على مرشح واحد ينافسه.
هذا التوصيف للمشهد النيابي قبل يومين من موعد الاستشارات النيابية للتكليف يعزز الاعتقاد بأن الرئيس ميقاتي في طريقه الى الفوز بثقة نيابية، قد تصل الى الاغلبية المطلقة (65 صوتا) او ربما تتجاوزها.
ويقول مصدر نيابي مطلع انه لم يكن ميقاتي مطمئناً الى هذه النتيجة كما تحدث في طرابلس منذ أيام عن استعداده لتحمل المسؤولية، لكنه في الوقت نفسه ينظر بحذر الى بعض التحركات الأخيرة، التي قد تؤثر على بعض النواب، وتساهم في تخفيض عدد النواب الذين سيسمونه في استشارات بعبدا الى ما دون الاغلبية المطلقة، ليأتي التكليف برصيد دون عدد نصف اعضاء المجلس، لكن هذا لا يعني او يعكس النصف الآخر في وضع جيد، خصوصا في ظل الخلافات المستمرة بين الكتل والوان المعارضة، بل داخل بعضها.
وبرأي المصدر أن «عدّاد الاستشارات» في هذه المرحلة، وفي ظل تركيبة المجلس النيابي الجديد، لن يقلّل من شأن تكليف ميقاتي، لكنه بطبيعة الحال سيصعّب مهمته في تأليف الحكومة الجديدة.
لماذا الرئيس ميقاتي الأوفر حظاً بنسبة عالية، لا بل تكاد تكون محسومة؟
يقول المصدر النيابي، ان ثمة عناصر عديدة تجعله متقدما بنسبة كبيرة على غيره من المرشحين الذين تطرح اسماؤهم في البازار السياسي والاعلامي. صحيح انه لم يشارك في الانتخابات ولم يشكل كتلة نيابية في المجلس الجديد، لكنه يمثل اليوم في غياب الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي ابرز الاقطاب السنيّة، في ظل ما اصاب الطائفة من تشتت عكستها نتائج الانتخابات النيابية.
ويحظى ميقاتي ايضا بتأييد نيابي وازن يعكسه ما نقل مؤخراً عن الرئيس نبيه بري من دعم صريح لاعادة تسميته لتشكيل الحكومة، ويعكس كلامه بطريقة او بأخرى تأييد ثنائي «أمل» وحزب الله، على الرغم من ان الحزب يحرص على عدم الاعلان عن موقفه النهائي والتريث في تظهيره الى ما قبل او خلال الاستشارات.
والى جانب الثنائي الشيعي، يملك ميقاتي رصيدا لا بأس به من النواب السنّة المستقّلين وكتل صغيرة، مثل «المردة» و «الطاشناق»، و «الاحباش»، وعدد غير قليل من النواب المستقلين من الوان وطوائف مختلفة.
ورغم تريث «اللقاء الديموقراطي» الذي يتزعمه نجل رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في حسم أمره لأسباب متعددة، فان العلاقة التي تربط ميقاتي بجنبلاط هي متينة وجيدة، وبينهما قاسم مشترك يتثمل في العلاقة المتينة التي تربطهما بفرنسا.
ووفقا للمعلومات حتى مساء أمس، فان «الاشتراكي» الذي يتحرك على اكثر من محور، لم يتوصل مع «القوات اللبنانية» الى الاتفاق على مرشح منافس، لا بل قيل انه عمل ويعمل على اقناع «القوات» في المشاركة بالحكومة، ومقاربة هذا الموضوع مع ميقاتي من باب قطع الطريق على احتكار التيار الوطني الحر للتمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة، كما حصل في الحكومة الحالية. ولا يتصرف «التقدمي» على انه جمعية خيرية، فهو يعرف التعامل مع مثل هذه الاستحقاقات بعناية فائقة، لذلك يريد ان يضمن مسبقا، الحصول على ما يراه انه حقق له اي الفوز بالحصة الوزارية الدرزية الكاملة، بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات النيابية.
ومن عناصر ضعف الفريق الذي لا يؤيد تسمية ميقاتي، انهم متفرقون وفي مواقع مختلفة، فـ «القوات» لم تتمكن من توسيع نطاق نفوذها في المعارضة، لا باتجاه «نواب التغيير» ولا باتجاه حزب «الكتائب».
اما «نواب التغيير» فصار واضحا انهم غير متفقين على مرشح واحد حتى الآن، وان ذهابهم الى الاستشارات بشكل افرادي يعطي انطباعا بأنهم غير قادرين على تكوين كتلة نيابية واحدة حتى اشعار آخر.
اما التيار الوطني الحر فهو ينفرد بمعارضة ميقاتي من جبهة ثانية، ويبدو ان الهوّة بين رئيس حكومة تصريف الاعمال ورئيس التيار جبران باسيل آخذة بالاتساع، خصوصا ان الثاني لم يوفر محاولة في الايام الماضية لتحسين ظروف ترشيح منافس آخر، حتى لو كان نتيجة تسمية مشتركة مع «القوات اللبنانية» والقوى الاخرى.
لكن باسيل يدرك ان مثل هذه المحاولة فاشلة وساقطة سلفا، لأن ما تريده «القوات» يشكل نقيضاً لما يهدف اليه في التعاطي مع ملف الحكومة الجديدة، فاذا كانت المسافة بينه وبين ميقاتي اصبحت كبيرة، فان المسافة مع «القوات» تبقى أكبر في كل الاحوال.
ومما لا شك فيه، كما يقول المصدر النيابي المطلع، ان تفرّق المعارضين لميقاتي يشكل نقطة قوّة له، وهذا ما جعله يرفع صوته عاليا ضد محاولات ابتزازه او رفع الشروط المسبقة في وجهه، مؤكداّ ان رئيس الحكومة ليس موقعا للمساومة والتسويات.
والى جانب هذه العناصر المحلية الايجابية لصالحه، فان ميقاتي يملك رصيدا جيدا في علاقاته مع الخارج. ووفقا للمعلومات المتوافرة فان باريس ماضية في دعمه تحت نظر وسمع الادارة الاميركية. وذكرت مصادر مطلعة ان السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التي زارته أمس، نقلت اليه هذا الموقف المتجدد عشية موعد الاستشارات النيابية، مشددة على اهمية الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لاستكمال ما بدأته الحكومة الحالية على صعيد مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي او ما يتعلق بالقوانين الاصلاحية المالية والاقتصادية والادارية.
وعلى الصعيد العربي، يحظى ميقاتي بعلاقات جيدة مع العديد من العواصم العربية، وفي مقدمها القاهرة التي لا تخفي ارتياحها له ولادائه في الحكومة الحالية. اما السعودية فتحرص منذ ان تولى رئاسة الحكومة الحالية على اتخاذ موقف «غير حماسي» وأقرب الى «الحياد السلبي»، معللة ذلك انها ترغب بنهج اكثر وضوحا في ابعاد ما تسميه «هيمنة» حزب الله وحلفائه على الحكومة.