الإتصالات استمرّت حتى ربع الساعة الأخير.. والوقت القصير لا يسمح لاشتراط الكتل –
لا تزال المشاورات السياسية مستمرة بين الكتل النيابية لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة.. وذلك قبل موعد الإستشارات النيابية المُلزمة يوم غدٍ الخميس في 23 حزيران الجاري في قصر بعبدا، رغم ارتفاع حظوظ رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي بالبقاء في السراي الحكومي، كونه «الأكثر معرفة» حالياً بوضع لبنان وبتفاصيل الأزمة المالية والإقتصادية التي يمرّ بها، وببنود الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، غير أنّ لا شيء بات مضموناً بعد نتائج الإنتخابات الأخيرة التي أنتجت مجلسا نيابياً غير متجانس على شكل الـ «موزاييك» المتعدّدة الألوان والإتجاهات.
وتقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ الرهان في الإستشارات النيابية المُلزمة المرتقبة غداً، لن يكون على عودة ميقاتي أم عدمها، سيما وأنّ الساعات الأخيرة قد شهدت اتصالات مكثّفة بين بعض الكتل لتأمين إعادة تكليفه تشكيل الحكومة للمرة الثانية والأخيرة في هذا العهد، في ظلّ رفض تكتّل «لبنان القوي» إعادة تسميته حتى الساعة، واشتراط بعض الكتل الأخرى حصولها على عدد من الوزارات مقابل تسميته… فالرهان سيكون حول كم سيبلغ عدد الأصوات التي سينالها ميقاتي جرّاء الإستشارات، على غرار ما كان عليه الموقف لدى انتخاب رئيس مجلس النوّاب وهيئة المكتب، خصوصاً في ظلّ انتفاء وجود «أكثرية وازنة» في مجلس النوّاب بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، والإختلاف في الرأي ووجهات النظر القائم ضمن الفريق السياسي الواحد.
ويبدو شبه مؤكّد حتى الآن أنّ ثمّة 58 نائباً سوف يلتقون على تسمية ميقاتي، ويُحاول أن يرفع هذا العدد الى أكثر من 60 أو 65 بهدف الحصول على اصوات «الأكثرية المطلقة» التي استطاع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي تأمينها، ما أبقاه رئيساً للمجلس لولاية سابعة.. فيما يرفض «تكتّل لبنان القوي» تسميته، و»التقدّمي الإشتراكي» يدرس الأمر، و»القوّات اللبنانية» قد تمنحه أصوات نوّابها في حال حصلت على ما تريده في الحكومة الجديدة، و»نوّاب التغيير» ضدّ إعادة تكليفه كونه ركناً من أركان السلطة التي انتفضوا عليها في 17 تشرين الأول من العام 2019. أمّا الأسماء التي يقوم هؤلاء بطرحها مثل مارك ضو (غير السنّي) أو سواه، فليست جديّة، ونُذكّر بالهمروجة التي قام بها «نوّاب التغيير» خلال انتخاب رئيس وهيئة المكتب في الجلسة الأولى التي عُقدت.
وفي ظلّ تحديد كلّ كتلة نيابية موقفها، وتوزيع جدول مواعيد الإستشارات النيابية المُلزمة غداً في قصر بعبدا، يأمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على ما أضافت الأوساط نفسها، أن يحوز ميقاتي أو أي شخصية أخرى ستُسمّى للتكليف على عدد لائق من أصوات النوّاب، الأمر الذي من شأنه أن يُساعده على تشكيل الحكومة سريعاً، لا أن تتمّ تسمية الرئيس المكلّف بأصوات قليلة، أو أن تنقصه الميثاقية، سيما وأنّ الحكومة التي سيرأسها قد تكون «حكومة الفراغ»، في حال وصلنا الى الإستحقاق الرئاسي في تشرين المقبل، ولم يتمّ التوافق على انتخاب الرئيس الجديد للبلاد. علماً بأنّ الدعوة الى انتخاب الرئيس تبدأ في أواخر آب المقبل أي قبل 60 يوماً من انتهاء ولاية الرئيس عون، وسيكون عندها الجميع مستنفراً للإستحقاق الرئاسي.
وبرأي الاوساط، إنّ الجدل الذي سيقوم بعد التكليف على نوع الحكومة (سياسية، أو تكنوقراط أو تكنوسياسية، أو حكومة وحدة وطنية) لا يُمكن أن يستمر طويلاً بين الكتل النيابية، لأنّ عمر هذه الحكومة، في حال شُكّلت سيكون قصيراً جدّاً، ما يجعلها غير قادرة على تحقيق الإنجازات، بقدر ما سيكون المطلوب منها حلّ بعض المشاكل الحياتية اليومية التي تستنزف المواطنين. ولهذا ترى دول الخارج، وعلى رأسها فرنسا أنّ ميقاتي هو من الشخصيات القادرة على تشكيل الحكومة في غضون 20 يوماً، على ما فعل في حكومة سابقة، في حال كانت غالبية الكتل واقفة في صفّه، ولم تضع العصي في دواليب مهمّته.
وفيما يتعلّق بالشروط التي قد تفرضها بعض الكتل للحصول على حقائب معيّنة دون سواها، مثل احتفاظ «تكتّل لبنان القوي» بوزارتي الخارجية والطاقة، أو «حركة أمل» بوزارة المال، ومطالبة «القوّات اللبنانية» بتقاسم الحقائب السيادية مع «التيّار الوطني الحرّ»، أو مطالبة «نوّاب التغيير» بحقيبة ما دون سواها، كما «النوّاب المستقلّين» وسوى ذلك، فتجد الاوساط بأنّها قد تُعيق مهمّة التشكيل، ايّاً يكن الرئيس المكلّف. لهذا لا بدّ من التوافق أولاً على نوع الحكومة وإطارها العام أولاً، قبل توزيع الحقائب على الكتل النيابية. علماً بأنّ هذه المهمّة لن تكون سهلة، لا على ميقاتي ولا على أي شخصية أخرى ستتمّ تسميتها لتشكيل الحكومة الجديدة. الأمر الذي يشي بإمكانية بقاء حكومة تصريف الأعمال في حال لم يتمكّن الرئيس المكلّف من إرضاء جميع الكتل النيابية حتى نهاية العهد الحالي، مع «امتياز» يتمتّع به الرئيس المكلّف أنّه «يحتفظ بورقة التكليف في جيبه»، على غرار ما فعل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لأشهر طويلة مع تعثّره في تشكيل حكومة تُرضي جميع الأطراف..
وفي مطلق الأحوال، ومهما علا سقف شروط بعض الكتل النيابية للإنضمام الى الحكومة والمشاركة فيها، لا سيما من قبل «تكتّل لبنان القوي»، و»كتلة الجمهورية القويّة»، على ما رأت الأوساط عينها، فإنّه لا وقت لدى الرئيس المكلّف لتلبيتها إلّا في غضون شهرين كحدّ أقصى، إذ تدخل البلاد بعدها في أجواء التحضير للإستحقاق الرئاسي المرتقب. في الوقت الذي تشير فيه الى أنّه ليس المطلوب من الحكومة المقبلة سوى أمرين أساسيين: أوّلهما تأمين الكهرباء، كجزء مهمّ من الإصلاحات المطلوبة، وقد قامت وزارة الطاقة بالأمس بتوقيع عقد استجرار الغاز المصري مع نظيرتها المصرية.. يبقى أن يُفرج صندوق النقد الدولي عن التمويل للحكومة اللبنانية، وأن ترفع الولايات المتحدة الأميركية العقوبات لا سيما «قانون قيصر» عن سوريا لتأمين وصولها عبرها الى لبنان. والأمر الثاني هو بطبيعة الحال، توقيع الإتفاقية مع صندوق النقد الدولي لكي يحصل لبنان على الأموال لتمويل المشاريع الإصلاحية، فضلاً عن مواكبة الإستحقاق الرئاسي وعملية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد في مجلس النوّاب، والحفاظ على الأمن والإستقرار في البلاد حتى موعد انتخاب الرئيس.
وأشارت الأوساط الى أنّه لا بدّ للحكومة الجديدة من إعادة تحسين علاقات لبنان مع العالم العربي، ومن تعزيز سبل انفتاحه على العالم الغربي من بوّابة النفط والغاز، لاستعادة الثقة الدولية به ومساعدته على النهوض من أزمته الإقتصادية والمالية، غير أنّ التشتّت لا يزال يسود مواقف الكتل النيابية الجديدة، الأمر الذي قد لا يؤدّي الى التوصّل الى تشكيل حكومة بعد التكليف.