لا يزال اللقاء الثالت المُرتقب بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي مجهول التوقيت، فيما لم تبرز لقاءات أو حركة وسطاء علنية على هذا الخط، بل يبدو أنّ عملية التأليف سيحكمها التصعيد، ما سيزيد من العوامل المؤثرة على عدم إتمامها. إذ افتتح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مواجهة مباشرة مع الرئيس المكلّف، في فيديو لدقيقة، متهماً ميقاتي بأنّه لا يريد تأليف حكومة جديدة. وقال: «في اختصار، لا يريدون حكومة تُنجز شيئاً في هذا العهد».
إستبق باسيل اللقاء بين عون وميقاتي برفع سقف المواجهة مع الرئيس المكلّف، وشدّد أمس، على أنّ «الحكومة لا تؤلّف بين اليخت والطائرة ولا بين اليونان وبريطانيا، بل في القصر الجمهوري في بعبدا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف». وأشار الى أنّ ميقاتي «اعترف أمام جميع وزراء حكومة تصريف الأعمال قبل أن يُكلّف، أنّه لا يريد تأليف حكومة جديدة، وهو يفتش عن فتاوى دستورية لتعويم الحكومة المستقيلة».
هذا «الهجوم الباسيلي» المُستكمل على ميقاتي تضعه جهات سياسية عدة في إطار «تعلية» السقف لانتزاع تنازلات من الرئيس المكلّف، خصوصاً بعدما تبدّى أنّ ميقاتي مصرّ على انتزاع وزارة الطاقة من فريق باسيل، والتي هي «طاقة الفرج» لـ«التيار». كذلك يُصعّب باسيل التأليف ويعقّده، بحسب البعض، لأنّه لمس عدم إمكانية حصوله على ما يبغيه من الحكومة العتيدة، وبالتالي باتت هذه العملية الدستورية بالنسبة إليه ورقةً يستخدمها في بازار الانتخابات الرئاسية. وهو يرمي مسؤولية عدم التأليف على ميقاتي للاستفادة من ذلك ورفع المسؤولية عنه شعبياً، فضلاً عن أنّ لديه حساباته على أبواب الاستحقاق الرئاسي، التي تقتضي أجندة سياسية لسيناريو معيّن للمرحلة المقبلة، تستدعي التصعيد في وجه ميقاتي واتهامه بعدم الرغبة في التأليف.
وإذ يُرتقب ردّ ميقاتي العملي على باسيل، ترى جهات سياسية أنّ الرئيس المكلّف لن يقدّم أي تنازل، فهو ليس الخاسر من عدم التأليف، بما أنّه رئيس حكومة تصريف الأعمال، على عكس عون الذي يشارف عهده على الانتهاء، وباسيل الذي يبحث عن «موطئ قدم» في السلطة ما بعد العهد.
أمّا على ضفة الرئيس المكلّف، فيعتبر النائب السابق علي درويش، أنّ باسيل «يحاول وضع موضوع التأليف عند الرئيس المكلّف، لكن حين يقدّم الرئيس ميقاتي تشكيلة كاملة ويطرحها جدّياً، فهذا لا يعني أنّه أقفل الباب على المشاورات، بل هو منفتح على التشاور مع رئيس الجمهورية بحسب الدستور».
وبالنسبة إلى إشارة باسيل إلى أنّ ميقاتي أبلغ الى وزراء أنّه غير راغب في التأليف، يقول درويش: «هذا الكلام على ذمة الراوي، لكن الرئيس ميقاتي يريد حكومة فعلياً، وهو جدّي في التأليف، وأي أمر آخر لا يوضع عنده، فهو منفتح وجاهز في أي لحظة، وعند توافر أي معطى سنجده حاضراً».
أمّا عن طريقة الردّ على باسيل، يوضح درويش، أنّ «الرئيس ميقاتي ليس في صدد الدخول في أي جدال سياسي مع أي طرف، خصوصاً في مرحلة يُفترض التركيز على الموضوع المعيشي، والتصعيد لا يخدم أحداً». ويجزم في أنّ ميقاتي يريد حكومة جديدة، إذ «دستورياً إذا كان على رأس حكومة كاملة الصلاحية حتى لو لشهرين، فهذا أفضل من أن يرأس حكومة تصريف أعمال، فتكون لديه صلاحية أوسع وأكبر».
أمّا عن شمل باسيل الرئيس المكلّف بالـ«هُم»، الذين لا يريدون حكومة تنجز شيئاً في هذا العهد، فيرى درويش أنّه «في السياسة، كلٌّ يقول ما يريده، إلّا أنّه فعلياً، أي إنجاز على مستوى الحكومة يُحسب للحكومة وللجميع وليس لأي شخص. والوضع يحتاج إلى حكومة لإمرار المرحلة لتفادي الانهيار الشامل، وكمية المشكلات كبيرة جداً، فإذا جرت معالجة بعضها لا تُحتسب لأحد بل للبنانيين».
وفي حين يُتداول في سيناريو اعتكاف الوزراء المسيحيين في حكومة تصريف الأعمال في إطار التصعيد في وجه ميقاتي، وذلك كخطوة استباقية للفراغ الرئاسي إذا حلّ بعد انتهاء ولاية عون، بما يمهّد لسيناريوهات أخرى منها عدم مغادرة عون القصر الجمهوري، في اعتبار أنّ حكومة تصريف الأعمال التي يكون الوزراء المسيحيون قد اعتكفوا او استقالوا منها تفتقد الى الميثاقية ولا يمكنها تسلُّم صلاحيات رئاسة الجمهورية، يقول درويش: «كلّ السيناريوهات مطروحة، لكن في النهاية يجب أن نحتكم الى الدستور، والدستور واضح في هذا الصدد». ويسأل: «كيف يُمكن الإفادة من انسحاب وزراء، إن للجهة المنسحبة أو للبنانيين؟ وهل يؤدّي إلى تأليف حكومة بديلة؟ وبالتالي أين الحكمة من ذلك؟».
وإذ يبدو أنّ من الطروحات التي لن يتراجع عنها ميقاتي هي نزع وزارة الطاقة من «التيار»، وهذا الأمر في حدّ ذاته «ينسف» التأليف بحسب مصادر سياسية، و»زاد من غضب باسيل»، انّ ميقاتي يتمسّك بهذا التغيير، لأنّ هناك أفرقاء سياسيين سيمنحون الحكومة الثقة، وهؤلاء يريدون تغييرات في وزارة الطاقة، لأنّ موضوع الكهرباء «ملتهب»، لكن هذا لا يعني عدم إمكانية إيجاد حلول لهذه المعضلة من خلال شخصيات يلتقي عليها كلّ من عون وميقاتي، بحسب مصادر قريبة من ميقاتي. هذا فضلاً عن أنّ رئيس الحكومة هو رأس الفريق الوزاري، وميقاتي لديه توجُّه مُعيّن بالنسبة إلى «الطاقة»، تختلف عن آراء الوزير الحالي، ويُفضّل في فترة زمنية قصيرة عدم الدخول في بازار الآراء، وأن يكون هناك فريق عمل يسير بتوجُّه رئيس الحكومة، ما يُسهّل ويسرّع عمل الحكومة. فرئيس الحكومة هو المسؤول عن أي عمل للحكومة، فحتى لو أنّ الوزير هو على رأس وزارته، الّا أنّ المسؤول الأساس والمباشر عن أي ملف هو رئيس الحكومة وهو من يُساءل عنه.
إنطلاقاً من ذلك، تؤكّد المصادر نفسها أن لا استهداف لوزير الطاقة أو لأي فريق سياسي، بل هناك جو سياسي مُعيّن في البلد، وبالتالي يُفترض البحث في اسم شخصية متوازنة ترضي الجميع.
وفي المقابل، ترى جهات سياسية أنّ ميقاتي لن يخسر شيئاً من عدم التأليف ولا مصلحة له بـ«تعويم» عون في نهاية عهده أو إهداء باسيل ما يبغيه في الحكومة العتيدة، وبالتالي إنّ كرة التأليف في ملعب الرئيس وباسيل، فإمّا يسهّلان التأليف وإمّا يعقّدانه أكثر، وذلك وفق حساباتهما إن للأشهر المتبقية من الولاية الرئاسية أو لمرحلة ما بعد العهد.