بعد شهر ونصف الشهر من الإضراب المفتوح الذي أعلنه موظفو القطاع العام والذي نتج عنه شلل تام في الإدارة وفي مرافق الدولة كافة، استفاق رئيس حكومة تصريف الأعمال على المشكلة المتعاظمة يوماً بعد يوم وبدأ نعم «بدأ» بالتفتيش عن الحل أو الحلول المناسبة لمعالجة هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ الإدارة اللبنانية، والتي لم يشهد لبنان مثيلا لها حتى في عز أيام الحرب، حيث توقف كل شيء في حينه ولكن الإدارة استمرت بالعمل، واستمر القطاع العام في المواظبة على تسيير المرافق العامة.
نحن نفهم أن يستنكف الرئيس المكلف عن التأليف معتبراً هذا الأمر من الأمور السياسية والتي يمكنه استعمالها للضغط على العهد وعلى البلد في آن معاً، ولكننا لا نستطيع أن نفهم كيف لرئيس حكومة تصريف الأعمال من التهرّب من المسؤولية بل من الاستقالة من ممارسة دوره، وهل يستطيع رئيس حكومة تصريف الأعمال من الاستقالة والحكومة هي بحكم المستقيلة بعد الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً؟
لقد بات ملحّاً أكثر من أي وقت مضى أن البلد بحاجة لتغيير نظامه السياسي كي يستمر بالعمل، وعندما نتحدث عن تغيير النظام فإنه لا بد من البدء بتعديل اتفاق الطائف، الذي لم يشر إلى الآليات الدستورية الواجب اعتمادها عندما يتخلى الرئيس المكلف عن دوره في التأليف، ورئيس حكومة تصريف الأعمال عن دوره في تحمّل المسؤولية.
إن رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن يتحجج بصلاحيات الحد الأدنى لعدم مجابهة الشلل العام في الإدارة، فأمام تحلل الدولة لا بد من المبادرة للمعالجة وبشتى الوسائل، وإن ترك الأمور تتفاقم لأكثر من شهر ونصف يعني واحد من أمرين: إما أنه مدرك أن ذلك سيؤدي إلى تفكك الدولة وتلك مصيبة، وإما أنه لا يدرك ذلك فالمصيبة أعظم.
والسؤال المطروح من يتحمّل مسؤولية عدم دفع الرواتب وعدم إصدار أوراق ثبوتية لتسيير شؤون الناس؟ وهل من أحد يستطيع أن يضمن تماسك الوضع الأمني في مثل هذه الظروف؟ لقد آن الأوان أن يتوقف الرئيس المكلف عن اللعب بالنار، فالأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة في أية لحظة، لا يمكن الاستمرار بسياسة النعامة وطمر الرأس بالرمال معتقداً أن ذلك سيحجبك عن أعين الناس فالشمس شارقة والناس قاشعة، وأمام كل الأزمات التي تثقل كاهل المواطن يأتي من يعمل على سد الأفق أمام الناس، وإذا كان المواطن الجائع هو قنبلة موقوتة فماذا عن الذي فقد الأمل؟
إن ما يجري اليوم هو «بروفا» لسيناريو الفراغ الذي من الممكن أن تشهده البلاد غداً، اليوم يوجد رئيس جمهورية يمسك بما تبقّى له من صلاحيات بزمام الأمور، وذلك في ظل غياب كلّي للسلطة التنفيذية، غياب قسري ناتج عن عدم التأليف وغياب إرادي ناتج عن عدم تحمّل مسؤولية تصريف الأعمال، ولكن ماذا عن الغد ونحن على وشك الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية؟ فهل من يضمن انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية فخامة الرئيس عون، وماذا لو تأخر انتخاب الرئيس العتيد لسبب أو لآخر ماذا سيحصل؟
لم يعد مقبولاً أن تبقى البلاد بدون حكومة كاملة الصلاحيات تتحمل المسؤولية، وهنا نطرح السؤال على الجميع وخاصة على الذين سمّوا الرئيس المكلف، على اي أساس تمّت تسمية الرئيس المكلف، ألم يصر إلى الاتفاق معه على ضرورة التأليف أم إن الأمور تركت كلها للصدفة؟
أمام التحديات الداخلية والفرص الدولية للاستفادة من البرامج والمساعدات من الدول المانحة، وأمام استحقاق الترسيم وعشية بدء العدو الإسرائيلي باستخراج غازه، لا بد من تشكيل حكومة فوراً وسريعاً تعمل على وضع الإصلاحات وخطة النهوض وتكون جاهزة لمقاربة كل الاستحقاقات. وهنا يطرح السؤال إذا كنا عاجزين عن تأليف الحكومة العتيدة فهل نحن جاهزون لانتخاب الرئيس العتيد؟
* كاتب سياسي