الشغور الرئاسي صار على الأبواب. دخلت البلاد المهلة الدستورية التي تسمح بالتئام الهيئة العامة لمجلس النواب وانتخاب رئيس جديد خلف للرئيس ميشال عون. لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري يصرف النظر راهناً عن الاستحقاق الرئاسي، ليحصر تركيزه بالشأن التشريعي بعدما دعا الى عقد جلسة عامة في 14 و15 و16 أيلول الجاري لدرس وإقرار مشروع الموازنة للعام 2022.
هكذا، تتعامل القوى السياسية مع موعد 31 تشرين الأول على أنّه مفتوح على سيناريوات، أحلاها مرّ، ستعيد مشهدية الفراغ إلى قصر بعبدا وسط جدل دستوري، يمهّد له العونيون حول قدرة حكومة تصريف الأعمال على وراثة صلاحيات رئاسة الجمهورية.
كلّ التصريحات والتلميحات الصادرة عن رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل تشي بأنّ هذا الفريق سيسعى إلى تطويق حكومة تصريف الأعمال في حال سدّت منافذ التأليف، وقدّر لها أن ترث توقيع رئيس الجمهورية. والمقصود بذلك، تطويق سياسي من خلال انتقال الفريق العوني إلى المعارضة الشاملة، لشلّ حركة الحكومة المبتورة أصلاً دستورياً، وعرقلة عمل وزرائها.
في الواقع، ثمة من يقول إنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد يقع في الفخّ الذي نصبه للفريق العوني حيث سيُترك وحده على أرض جهنم يتلقّف كرة الإنهيار التي ستزداد لهيباً في زمن الشغور الرئاسي والشلل الذي سيأكل أخضر المؤسسات ويابسها.
يشرح هؤلاء من خلال الإشارة إلى أنّ ميقاتي كان يراهن على بعض الأوكسيجين الدولي لمدّ حكومته بالإنعاش الاقتصادي، والذي قد يعزّز حضوره السياسي، ويجعله المرشّح الأوحد لترؤس حكومة العهد الأولى. وإذ بالحرب الأوكرانية تقلب الطاولة رأساً على عقب. الفرنسيون منشغلون بهمومهم. لا الاتفاق مع صندوق النقد مكتمل، ولا الغاز المصري حطّ في خزانات معامل الإنتاج اللبنانية، ولا الكهرباء الأردنية متاحة، ولا اتفاق على خطة التعافي وكل مندرجاتها النقدية والاقتصادية…
فعلياً، هي الفوضى ذاتها التي تهدّد الاستقرار اللبناني منذ وقوع الأزمة، والمرشّحة إلى مزيد من التدهور والانفجار. كان الاعتقاد سائداً، بين بري وميقاتي تحديداً، أنّ الفريق العوني سيرضخ لشروط رئيس الحكومة ولهذا مارس رئيس الحكومة المكلف لعبة شراء الوقت إلى حين حلول موعد الأول من أيلول ليتلقّف حينها بري الطابة ويطلق المعركة الرئاسية، ولو سياسياً فقط، فيسقط مشروع تأليف حكومة جديدة.
لكنّ الرئيس ميشال عون، لا يزال هو نفسه العماد ميشال عون. كسره ليس سهلاً. وقد كشف في مقابلة له أمس عن رغبته الصريحة «في ضم 6 وزراء دولة سياسيين الى الحكومة الحالية حتى تكتسب حصانة سياسية هي ضرورية جداً لمواجهة احتمال الشغور، لأن حكومة التكنوقراط الصافية كما هي الآن غير قادرة على تولّي مهمات رئيس الجمهورية»، وأنّ رئيس الحكومة المكلّف أبلغه موافقته على تطعيم الحكومة بتوزير سياسي قبل أن يعود عن رأيه، بطلب من بري.
يقول المؤيدون لفكرة توسيع الحكومة سياسياً، إنّ تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال ستكرّس سابقة دستورية من شأنها أن تفتح الباب على مشكل طائفي في البلد لا تحمد عقباه. وفق هؤلاء، هذه الحكومة منقوصة الشرعية، وقد نالت ثقتها من مجلس نواب لم يعد موجوداً، كما أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية التي تم التنازل عنها في وثيقة الوفاق الوطنيّ لمصلحة تمثيل وزاري يمثّل الرئاسة المسيحية، تعاني عيباً جوهرياً لأنه يستحيل ضبط الوزراء التكنوقراط الذين يمثلون رئاسة الجمهورية، على عكس تمثيل المكونين السنيّ والشيعي. من هنا المطالبة بشراكة سياسية مباشرة.
ولهذا، يقول هؤلاء إنّ خروج الرئيس عون من القصر «على مشكل»، سيدفعه إلى تصفية حساباته مع خصومه في الشارع، وسيقذف كرة النار كلّها إلى حضن ميقاتي عن طريق الانتقال إلى المعارضة الشرسة وقطع الطريق على أي معالجة أو ترقيع قد يتّخذه ميقاتي من باب تقطيع الوقت بعدما بلغت الأزمة مآلات خطيرة.
وفق هؤلاء، سيكون العنوان الأبرز لحملة العونيين في الشارع: إمساك الثلاثي نبيه بري- نجيب ميقاتي- وليد جنبلاط بالحكومة خصوصاً وأنّ رئيس المجلس يروّج لفكرة عدم تكرار تجربة «حكومة الرؤساء» التي ترأسها تمام سلام إبّان الشغور الرئاسي الماضي، ما يعني أنّه يسعى لقطع الطريق أمام سيناريو توقيع كل الوزراء على المراسيم، للاكتفاء بتواقيع رئيس الحكومة ووزير المال والوزير المعني. وهو احتمال لن يبلعه الفريق العوني وسيجعل منه قضيته في المرحلة المقبلة.
بناء عليه، يشير المتابعون إلى أنّ ميقاتي يشعر بسخونة الوضع خصوصاً إذا ذهبت الأمور إلى مزيد من التدهور والانهيارات، فيما احتمالات إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده تتناقص يوماً بعد يوم. ولهذا، يسعى إلى تفعيل فرص التأليف من خلال تعويم حكومته. ولكن دون تحقيق هذا الأمر، شروط الرئيس عون بعدما تبيّن أنّ خطة زركه في «بيت اليك» لم تفعل فعلها، وهو لا يزال عند موقفه: تطعيم سياسي… وإلّا فليسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع.