من الشرفة العالية في مبنى البلاتينيوم المُطل على البحر، يتأمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في المشهد اللبناني وتعقيداته، محاولاً إمساك العصا من الوسط… وتفادي ضرباتها.
مع انّ البعض يعتبر ان ميقاتي هو المستفيد الأكبر حاليا من عدم وجود رئيس للجمهورية لأنه بات يستطيع أن يسرح ويمرح كما يشاء في الداخل والخارج، الا ان الرجل يؤكد لزواره انه ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يتحرر فيها من عبء السلطة، «إذ انّ المسؤولية في هذه المرحلة باتت ثقيلة ومنهكة»، موضحاً انه «يأخذ احيانا على عاتقه الشخصي اتخاذ قرارات اجرائية استثنائية لتسيير شؤون الدولة بسبب تعذر انعقاد مجلس الوزراء حالياً».
وعلى قاعدة تدوير الزوايا واحتواء الهواجس، يؤكد ميقاتي انه ليس في صدد الدعوة إلى عقد جلسة للحكومة، ما دامت لا توجد ضرورة ملحّة تستدعي ذلك، «لأنني لا اريد صُداعا مجانيا، وما نعانيه من مشكلات يكفي»، موضحا انه سيكتفي حاليا بالآلية المعتمدة على مستوى تنشيط عمل اللجان الوزارية وتفعيل التواصل مع الوزراء لمعالجة قضايا الناس وهمومهم.
ويُشيد ميقاتي بسلوك «حزب الله» في مجلسي النواب والوزراء، مشيرا الى ان ما يلفته هو ان الحزب متعاون ومسهّل في المسائل الإصلاحية التي يطلبها صندوق النقد الدولي كما يتّضح من نقاشات مجلس النواب، بينما القوات اللبنانية هي التي تتصرف بسلبية في هذا الملف «وما عليك لمعرفة الفارق بين الجهتين في المقاربة سوى الاستماع إلى النائبين جورج عدوان وعلي فياض».
وينوّه ميقاتي بسلوك وزيري «حزب الله» في الحكومة علي حمية ومصطفى بيرم، لافتاً الى أنهما نشيطان ويحترمان موقع رئاسة مجلس الوزراء. كذلك يُبدي ارتياحه الى عمل أغلب الوزراء، موضحاً ان «نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ممتاز وآدمي ولكن كيف له ان يواجه ذئاب الوسط السياسي؟ ويضيف ضارباً بعض الأمثلة: «وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار شغّيل و«بيفلَح فلاحة»، وزير الصحة شديد التنظيم ويصلح أكثر ان يكون وزيرا في سويسرا، وزير السياحة جيد، وغيره أيضا، إنما وزير الطاقة وليد فياض هو من يعذبني».
ومع انّ ميقاتي افترق عن الرئيس ميشال عون بعد انتهاء ولايته على زَغل سياسي، الا انه طلب الحصول على الرقم الهاتفي لمنزله الجديد في الرابية «لأنني اريد ان أطمئن الى أحواله وأسلّم عليه بمعزل عن الخلاف السياسي».
وحين يُسأل عن رأيه في رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ربطاً بتجربته السياسية معه، يجيب: جبران نشيط لكن مشكلته هي انه لا يعرف كيف يفاوض وما بيعرِف «ياخُد ويعطي».
وعلى رغم الواقع المتأزم، سياسيا واقتصاديا، يعتبر ميقاتي ان الحل ليس مستحيلا، «ولبنان لن يزول بل سيبقى وسيخرج في نهاية المطاف من النفق»، لافتا الى ان الرحلات الى لبنان «مفوّلة» في فترة الاعياد «ونحن نحتاج فقط الى حد أدنى من الاستقرار السياسي والى انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبعد ذلك تتحرك الدورة الاقتصادية تلقائيا وتبدأ الانفراجات خصوصا ان شعبنا بطبيعته حيوي ولا يستسلم».
ويُعرب ميقاتي عن أسفه الشديد للشعبوية المعتمدة من قبل بعض النواب والكتل في مقاربة الملفات الحيوية، مشيرا الى ان تلك الشعبوية ظهرت بوضوح خلال مناقشة قانون الكابيتال كونترول، «بحيث انهم لم يقرّوا بعد كل الجلسات التي عقدت حتى الآن سوى بند وحيد في هذا القانون الضروري، لأنّ من دونه لا اتفاق كاملا مع صندوق النقد ولا مساعدات دولية».
وبالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي، يلفت ميقاتي الى انه يؤيّد انتخاب سليمان فرنجية رئيساً لسببين: الاول هو الوفاء الشخصي والسياسي، راوياً انه خلال واحدة من جولات الاستشارات النيابية المُلزمة في عهد الرئيس اميل لحود، توجّه لحود الى فرنجية بالسؤال عمّن يسمّي لرئاسة الحكومة فأجابه: نجيب ميقاتي، وهنا تدخّل احد النواب الشماليين الذين كانوا يرافقون فرنجية، قائلاً له: رستم غزالة طلب ان نُسمّي شخصية أخرى، فما كان من فرنجية إلا أن استشاط غضباً وأصرّ على تسميتي.
ويتابع: السبب الثاني الذي يدفعني الى تأييد وصوله هو الحرص على الوحدة الشمالية، إذ نحن أبناء منطقة بل عائلة واحدة ويهمني ان تبقى أواصر علاقتنا متينة.
ويضيف ميقاتي: اذا واصَلنا التخبّط في ازماتنا وبقيت أبواب المعالجات مقفلة، ربما يجب على مجلس النواب حينها ان يبدأ التفكير في حلّ نفسه والذهاب إلى انتخابات نيابية جديدة ومُبكرة لكسر هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها البلد.
امّا في خصوص مصير هبة الفيول الإيرانية، فيوضح ميقاتي انه كان قد طلب من مكتب محامين إحاطته بمفاعيل قبول الهبة من الزاوية القانونية في ظل العقوبات المفروضة على إيران، «فأفادني بأنّ قبولها يمكن أن يُرتّب انعكاسات على لبنان، ولذا ارتأيتُ ان اخاطب الأميركيين مباشرة للإستفسار عن حقيقة موقفهم حتى لا ألحق اي ضرر بالبلد».
ويكشف ميقاتي انه التقى خلال مشاركته في مصر في مؤتمر المناخ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «لكنني لم أعلن عن اللقاء لأنه كان عابرا واقتصر على تبادل المجاملات».
ويلفت الى انه كاد ان ينسحب من إحدى جلسات المؤتمر بعدما تبين له وجود وزيرة اسرائيلية، «الا انني لم أفعل مراعاة لرئيس الدولة المضيفة عبد الفتاح السيسي»، مؤكدا انه يرفض كلياً اي شكل من أشكال التطبيع «وأنا نجيب ميقاتي لا يمكن ان أضع يدي في يد اسرائيلي مهما كلّف الأمر».