إعتاد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يزور عين التينة بعد عودته مباشرة من أي زيارة إلى الخارج. ورغم كونه تقليداً متّبعاً في عرفه إلّا أنّ زيارة الأمس جاءت مختلفة لأنّها تلت سلسلة تطوّرات في غاية الأهمية. وهي أعقبت لقاء ميقاتي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وزيارة للبطريرك الماروني بشارة الراعي لمعالجة ذيول أزمة انعقاد مجلس الوزراء الأخير. مواضيع دسمة وضعت رحالها في عين التينة بين رئيسيْ مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال. أطلع ميقاتي رئيس المجلس على أجواء اللقاء مع الأمير بن سلمان، وبحثا إمكانية عقد جلسة نيابية تشريعية لإقرار سلسلة مشاريع عالقة وإمكانية عقد جلسة ثانية لحكومة تصريف الأعمال، فضلاً عن اللقاء مع الراعي والذي اندرج في أساس التوضيح بأن انعقاد مجلس الوزراء كان للضرورة وبأن الهدف منه لم يكن التقليل من حضور طائفة أو محاولة استثنائها، والأهم هو أنّ ميقاتي عبّر عن استيائه من تهمة احتكار صلاحيات رئيس الجمهورية التي وجّهت إليه، علماً أنّ مثل هذه الصلاحيات لم يكن يلتفت لها من يحارب لأجلها، يوم كان التفاهم قائماً من قبل بين الرئيس سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني» جبران باسيل.
يحرص ميقاتي على استشارة بري والوقوف على رأيه في الشأن المحلي وبه يستظلّ عند أي مفترق دستوري متعلّق بعمل حكومته. لم يعد سرّاً أنّ بري كان عرّاب جلسة حكومة ميقاتي الأخيرة و»حامي حماه»، ووزراء «أمل» كانوا من أوائل المشاركين والداعمين للنقاشات خلال الجلسة لصالح ميقاتي، ولا ضير عنده أن يعاود ميقاتي الكرّة متى دعت الحاجة.
أظهر كلام ميقاتي من بكركي، وبوضوح، عزمه عقد جلسة ثانية لحكومته. إتهامه بتغييب المسيحيين واستلام صلاحيات رئيس الجمهورية مسألة أزعجته وقصد بكركي شاكياً ونافياً عنه مثل هذه التهمة. أصرّ ميقاتي فعقد الجلسة الحكومية قبيل توجهه للمملكة السعودية، فكيف وهو العائد من لقاء ولي العهد؟! لميقاتي أن يستثمر في هذا اللقاء الذي فتح صفحة جديدة للسعودية مع رئيس حكومة لبنان. هو الشخصية الثانية التي استقبلها بن سلمان بعد الحريري بما يشكل إعترافاً بموقعه. وهذه نقطة إيجابية يبني عليها. لا يعني اللقاء عودة سعودية للبنان لكنها تنهي قطيعة بين رئاسة الحكومة السنية ومظلّتها الإقليمية.
أمّا من ناحية عقد الجلسة الثانية فقد أكدت مصادر حكومية أنّ التحضيرات جارية واحتمال عقد الجلسة بُعيد الأعياد وارد، لكن رئيس الحكومة يجري حالياً سلسلة لقاءات ثنائية تشاورية مع الوزراء كلّ على حدة لمعالجة ملفاتهم العالقة. إلتقى أمس وزير العدل هنري خوري الذي قصده لبحث مسألة إعتكاف القضاة ومعالجة أسبابه، كما التقى وزيرالخارجية عبدالله بو حبيب وغيرهما وكانت جلسات «عصف فكري» مع رئيس حكومة تصريف الأعمال. وعلى مستوى العمل التشريعي لم تستبعد المصادر الحكومية أن يكون لقاء عين التينة قد بحث إمكانية عقد جلسة تشريعية في حال تأخر إنتخاب رئيس للجمهورية، لوجود حاجة ملحّة لتسهيل عمل الحكومة.
ميقاتي الذي يستعد لقضاء فترة الأعياد خارج لبنان يحاول وضع خريطة طريق لعمل الحكومة، في وقت تثبت فيه المعطيات أنّ الخروج من الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية شأن بعيد المنال، ما يوجب العمل حكومياً وبرلمانياً لتقطيع جملة مشاريع وقرارات معلقة. وحكماً سيوافيه بري إلى حيث يريد ويدعمه خاصة أنه بات يحظى باعتراف سعودي علني، يجعله يسير قدماً في سياسة إثبات الوجود كرئيس حكومة متجاوزاً قطوع الهجوم عليه من باسيل، لا سيما بعدما رفض الأخير دعوة بري للحوار ما سيجعل تموضع بري- ميقاتي في مواجهته، تحصيلاً حاصلاً.
أسبوعان فاصلان عن زمن الأعياد. لا تطورات بارزة. سيمرّر الجميع الفترة بأقل ضرر ممكن. حتى جلسة الخميس ستمرّ على شاكلة سابقاتها. حمّى المواقف السياسية لن تحدث تغييراً في مسار التعطيل على كل الصعد. هي فترة سيحدّد معالمها ثنائي بري- ميقاتي و»حزب الله» بالتأكيد. الأول يدعو لجلسات انتخاب الرئيس وقد نصح بالحوار على قاعدة «اللهم إني بلغت» فلم يلبّوا. أمّا الثاني، فسيتصرف من وحي لقائه مع بن سلمان، وهذا اللقاء بذاته رصيد كافٍ.