تهديد رئيس الحكومة المستقيلة وتصريف الاعمال نجيب ميقاتي بالاعتكاف، ثم نفيه ان يكون هذا ما قصده في تصريحه بعد فرط انعقاد الجلسة التشريعية لمجلس النواب “اللهم اني بلّغت”، فهو لم يحدد الاسباب سوى ان “كتلا نيابية مسيحية” مع مستقلين قاطعوا الجلسة، لانها يجب ان تكون مخصصة فقط لانتخاب رئيس للجمهورية، وليس للتشريع ولو كان للضرورة، التي لا يوجد اهم من حصول الاستحقاق الرئاسي وفق الدستور، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية بتشكيل حكومة، وعودة المجلس الى مهامه وممارسة صلاحياته في التشريع والرقابة، وفق ما يؤكد المقاطعون، الذين سيستمرون على موقفهم، باعتباره اداة ضغط لالتئام مجلس النواب كهيئة ناخبة.
وقد سبق وان دعا الرئيس نبيه بري الى 12 جلسة، وحصلت العملية الانتخابية في كل الجلسات بالدورة الاولى، دون ان تنعقد الثانية، كما يطالب المعارضون رئيس المجلس في ادارة جلسات الانتخاب، وهو عليه ان يبقيها مفتوحة حتى يحصل انتخاب رئيس للجمهورية، ويقول المعارضون الذين بدورهم لم يتمكنوا من جمع الاصوات الكافية لمرشحهم الاول النائب ميشال معوض، ولا لمرشحهم الثاني الوزير السابق جهاد ازعور، ليعبر كل منهما الى ثلثي اصوات مجلس النواب في الدورة الاولى، وكذلك مؤيدو ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي نال في آخر جلسة 51 صوتاً، مما يؤشر الى ان الطرفين لا يمكنهما تأمين عبور دستوري، كما ان تطورات دولية واقليمية وداخلية، تغيّر مجرى الانتخابات الرئاسية.
من هنا، فان ميقاتي يضع المسؤولية على مجلس النواب، الذي لم يصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما يؤكد دائماً، وهو يوجه اصابع الاتهام اكثر الى “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، الذي اعلن منذ ان شكل ميقاتي حكومته قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بانه “لن يتركه يحكم”، فكيف بعد ان اصبحت حكومته لتصريف الاعمال، ولا يحق لها ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، التي اعطاها الدستور للحكومة بعد شغور منصب رئيس الجمهورية، اذ المعركة بين الطرفين مستفحلة، والسجالات قائمة وتصل الى التقريع والعبارات غير اللائقة.
وقد حاول ميقاتي الاستعانة بالبطريركية المارونية لحصول غطاء له، وعقد جلسة تشاور للحكومة في الديمان، لكن نتائجها لم تكن مثمرة، وفق مصادر سياسية متابعة، حيث وصل الامر الى ان ميقاتي لمّح وحذر ، من انه سيرمي “كرة النار” من يده، لتصل الى الجميع ويتحملون مسؤولياتهم.
فميقاتي ما زال في اجواء الاعتكاف، كما نقل مقربون منه، وهو يعيش حالة من “الاشمئزاز والاحباط”، وهو وصل الى حد الانكفاء من الحياة السياسية كلياً، فلم يترشح في الدورة الانتخابية الاخيرة (ايار 2022) للانتخابات، وسيلعب دوراً في السلطة التنفيذية بترؤس حكومة، بالرغم من الصعوبات المالية والاقتصادية وانحلال المؤسسات، فقرر مواجهة الازمة، كما يروي لزواره، لكن ما يحصل منذ مقاطعة جلسات الحكومة، وعدم حضور الجلسات التشريعية وتعطيل التعيينات، واستمرار عقلية المحاصصة، هو ما دفعه الى حال من التشاؤم، وزاد على ذلك انسداد الافق في انتخاب رئيس للجمهورية قريب، وبذلك ينجو بنفسه من الازمة، التي هي نتاج تراكمات لسنوات من الممارسات من الفساد والفئوية والمحسوبية والطائفية السياسية، حيث كل هذه الاسباب فجّرت الازمة المستمرة والمستدامة، والتي لا حلول قريبة لها، وهي في استعصاء بالرغم من تدخل الخارج فيها لتحقيق اصلاحات.
لذلك، فان الاعتكاف وارد في كل لحظة عند ميقاتي، اذا لم يجد من يقف معه في تحمّل المسؤولية، وهو لن يرفع شعار “خصمه السياسي” باسيل “ما خلوّنا”، بل سيعلن عمن هو وراء تعطيل عمل السلطات الدستورية، وان استمراره في ترؤس جلسات وزارية، ومتابعة ملفات مالية وكهربائية وخدماتية، يدخل في تصريف اعمال الدولة التي باتت في حالة غياب بمؤسساتها وادارتها، لكن “للصبر حدود” يقول ميقاتي، الذي يكشف امام مقربين منه، بان طرق الحلول مسدودة، واحاول العمل على ان لا يغرق لبنان في الهاوية اكثر، لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”.
الاوضاع “ليست وردية بل سوداوية”، وان كانت زيارة الرئيسين بري وميقاتي الى “البلوك رقم9” في الجنوب، والذي بدأت شركة “توتال انرجي” الحفر فيه، لاعطاء اشارة امل الى اللبنانيين، بان لبنان سيصبح “دولة نفطية”، وقد سبقهما الرئيس ميشال عون قبل اكثر من عامين الى “البلوك رقم 4” واعلن ذلك، لكن البحث توقف، وربما يتكرر الامر من جديد في “البلوك رقم9 ” … واللبنانيون بالانتظار.