يشارك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الدورة العادية الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ابتداءً من 19 الجاري وحتى 25 منه.
ويُصرِّح دولته في مقابلة معه أجرتها صحيفة «لو فيغارو» عشية وصوله إلى نيويورك، أنه سيطلب من المجتمع الدولي مساعدة لبنان وحثّ الأطراف السياسيّة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ومعالجة مسألة النازحين السوريين. أي أنه سيكتفي بالعناوين الشائعة، ما يطلبه لا يمكن أن يتحقّق ما دامت زواريب الدّاخل اللبناني على حالها، وما دامت سلوكيات الطبقة السياسية اللبنانية الشرّيرة والخبيثة على حالها.
فهو يعرف أنّ هذه الطبقة لن تغيّر في سلوكيات هي مصدر استمراريّتها، وأنها لن تسترزق إن لم تواصل الشحن المذهبي وآليات التخويف من الآخر وادّعاء أنّ كلّ ما ترتكبه من جرائم هو لحماية نفسها وبيئاتها الحاضنة.
هذه الطبقة التي يعتبر ميقاتي في حديثه إلى الصّحيفة الفرنسية، أنها لم تسمح حتّى الآن للبنان بأن يتعافى، على الرغم من امتلاكه مقوّمات التعافي. بمعنى آخر، هو يقرّ ويعترف بأنّها أصل البلاء، ولا يكفي الإيحاء بأنّه ينظر إليها ويُقَيِّمها وكأنّه ليس منها، ليرفع المسؤولية عن كاهله.
والنكتة أنّ دولته يُحمِّل الدولة اللبنانية مسؤولية ما آلت إليه البلاد لأنّها منخورة بالفساد والهدر ومقصّرة على صعيد الإصلاح. وينسى أنّ هذه الدولة ليست كائناً ماديّاً بحدّ ذاتها بجسد ولسان وعقل، ولا يمكن سوقها إلى العدالة والتحقيق ومساءلتها ومعاقبتها إذا تبيّن أنّها مذنبة.
لم يجد ميقاتي من يقول له إنّ الدولة هي مؤسّسات تديرها سلطة مؤلّفة من كائنات لكل منها جسد ماديّ ولسان وعقل واسم ومكان إقامة، أو بعبارة أدقّ، أمكنة إقامة في الداخل والخارج، ودور وقصور ويخوت وطائرات خاصة. وهي تتحاصص مقتدرات الدّولة، وتُهرِّب ما جنته أيديها إلى مصارف خارج البلاد. ولا غرابة في ذلك، فتجهيل المسؤولين المرتكبين فنّ من فنون الطبقة السياسية، بمن فيهم دولته، واتّهام أشخاصٍ معيّنين ليس إلّا وسيلة ابتزازٍ وتهديد يلجأ إليها من يريد أن ينال من خصومه، أو يريد أن يزيح غريمه من طريقه.
ومع ذلك يحذّر ميقاتي من أنّ انتخاب رئيس يعادي «حزب الله» لن يكون منطقيّاً، أو حتّى معقولاً، لأنّه أحد الأحزاب الرئيسية. واللبنانيون ليس لديهم مشكلة مع جناح الحزب السياسي، أمّا أجهزته «شبه العسكرية» أي (paramilitaires) «المرتبطة بدوره الإقليمي، فهي مصدر القلق وموضوع الاستقطاب، وحتّى الإنقسام».
بكلّ بساطة، ينسى دولته أنّ «الحزب» يتدخّل في كلّ كبيرة وصغيرة، ويشلّ انتخاب رئيس للجمهورية حتّى يأتي بمن يريده ليحمي سلاحه «المرتبط بدوره الإقليمي»، والذي يُخَوِّله التحكّم بالحياة السياسية اللبنانية، بكلّ مرافقها ومفارقها وزواريبها وثقافتها، ويُنشئ مطاره الخاص وله ماليته الخاصة وآلياته الخاصة لتأمين دولاراته وتغطية نفقاته.
سوف يتجاهل ميقاتي الواقع الحقيقي الوحيد الذي يشلّ لبنان، وسوف يقف على منبر الجمعيّة العامّة ويطلب المساعدة للتخلّص من نازحين سوريين يتمّ تسهيل تسرّبهم إلى لبنان وفق أجندة متعلّقة بارتباطات «الحزب» الإقليمية.
كما سيطلب من المجتمع الدولي مساعدة لبنان للتوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وينسى تصريحه للصحيفة الفرنسية بأنه «آسف كون الجميع يتحدّثون عن الإصلاح، ولكن عندما تتمّ دعوتهم إليه يتخلّفون عن الموعد»، مشيراً إلى أنّ «حزب الله» لا يعرقل أيّ خطوات إصلاحية ينبغي أن يتمّ إقرارها عبر مجلس النوّاب في هذه المرحلة. لكن من يفعل ذلك، هم النوّاب الذين يصرّون على نبذ التشريع لأنّ الأولوية تبقى لتحوّل المجلس إلى هيئة ناخبة حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسيّ».