من إعلانه عن انّ هناك ترابطا واقعيا بين التهدئة على جبهة الجنوب ووقف العدوان على غزة، الى نمط إدارته لحكومة تصريف الأعمال في ظل استمرار الشغور الرئاسي… بَدا الرئيس نجيب ميقاتي وكأنه ينتقل من معركة الى أخرى بعدما استفزّت خياراته قوى سياسية عدة، خصوصاً في الوسط المسيحي.
ينقل محيطون بالرئيس نجيب ميقاتي عنه استغرابه للحملة التي استهدفته أخيرا، مؤكدا انّ موقفه من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة إنما يعكس تصالحه مع نفسه وينبع من كونه عروبي الإنتماء، سني الهوية، ابن طرابلس، وداعم للقضية، «ولذلك لم يكن ممكناً أن أتجاهل ما يحصل في فلسطين».
ويلفت هؤلاء الى من يتهم رئيس الحكومة بالتماهي مع «حزب الله» والذوبان في خياره بنصرة غزة، يجهل او يتجاهل انّ ميقاتي مع القضية الفلسطينية قبل ظهور الحزب وبعده، وانّ ما صدر عنه يمثّل موقفه المبدئي والأخلاقي المنبثق من داخله وقناعاته. ويتابعون: نعم… ان ميقاتي براغماتي ويعتمد تدوير الزوايا في التعاطي مع الأمور الداخلية لأنّ تركيبة لبنان وخصوصيته تتطلبان مثل هذه المرونة والوسطية، اما في القضايا القومية كتلك التي تتصل بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة فلا مجال الّا للوضوح.
ويشير القريبون من ميقاتي الى انه يتعاطى مع مسألة سلاح «حزب الله» بواقعية، متسائلين: هل هناك من يظن انّ هذا الملف يُعالج محلياً؟ وما المطلوب من ميقاتي حتى يصفّق له أصحاب التنظير والمزايدات؟ هل المطلوب ان يواجه «حزب الله»؟ واذا فعل، هل يخدم بذلك لبنان ام يضرّه؟ ويضيفون: ان مسألة السلاح تنطوي على أبعاد اقليمية – دولية، ومعالجتها ترتبط بتسوية أكبر من التفاصيل اللبنانية.
ويلاحظ هؤلاء انّ بعض القوى السياسية باتت لديه مشكلة مع كل ما يصدر عن الحزب، حتى لو كان ايجابياً، وهذا مؤشر يعكس أزمة ثقة آخذة في التفاقم.
اما على مستوى الإدارة الحكومية، فإنّ المحيطين بميقاتي ينسبون إليه تأكيده عدم تجاوز حدوده وصلاحياته كرئيس حكومة تصريف أعمال، وحرصه في الوقت نفسه على تأدية واجباته ومسؤولياته بالكامل، «خصوصاً انّ الشغور الرئاسي طال ولا يمكنه ان يهمل شؤون الناس ومتطلباتهم المُلحة».
ويلفت ميقاتي الى انه ليس نائباً ولا كتلة لديه، «وبالتالي يتوجّب على الآخرين ممن يملكون اصواتاً في المجلس النيابي ان يستعجلوا انتخاب رئيس الجمهورية حتى تنتظم المؤسسات الدستورية».
وتبعاً لميقاتي، «هناك من يظن بأنّ الشيعة والسنة أصبحوا يحكمون البلد وسط غياب رئيس الجمهورية وانهم لا يستعجلون الانتخاب لأنهم مستفيدون من الشغور، ولكن كل هذه الاستنتاجات غير صحيحة، إذ انّ وجود الرئيس يشكل ضرورة وحاجة حَيويتين لانتظام التوازن الداخلي وعمل المؤسسات، ولا احد يمكنه أن يعوّض عن غيابه».
ورداً على اتهامه بالتسبّب في تحريك نعرات طائفية نتيجة سلوكه، يُنسب الى ميقاتي تشديده على انه مسلم أصيل ويتقيّد بتعاليم الدين الإسلامي في منزله، «ولكن حين أخرج من المنزل أصبح تلقائياً لكل اللبنانيين بجميع طوائفهم ومذاهبهم، وكل ما يُساق ضدي، غير ذلك، هو مُجاف لحقيقتي».
ووفق القريبين من رئيس الحكومة، لم تعد لدى ميقاتي طموحات سلطوية ولا يسكنه هاجس العودة الى رئاسة الحكومة بعد الانتهاء من التجربة المضنية التي يخوضها حالياً، «لذا، هو متحرر من الحسابات التي يمكن أن تكبّله، الأمر الذي يسهّل عليه اتخاذ قرارت ومواقف تنسجم بالكامل مع اقتناعاته من دون أن يكون قلقاً من كلفتها عليه لاحقاً».
ويُنقل عن ميقاتي قوله انه لو عاد الأمر اليه، فإنّ طموحه للمرحلة المقبلة، بعد خروجه من رئاسة الحكومة، هو ان يتفرّغ كلياً لإدارة «جمعية العزم والسعادة» الاجتماعية في طرابلس (أسّسها مع شقيقه طه عام 1988)، وان يمتنع عن العودة إلى السلطة والنشاط السياسي التقليدي بعدما أدى قسطه للعلى، من دون أن يتخلى عن النشاط الوطني.