أستهلّ هذا الكتاب لدولتكم، بهذه الآية من القرآن الكريم، لأكثر من سبب، ولعلّ السبب الجوهري هو اسم العائلة «ميقاتي»، فالميقاتي لغة هو الذي يحدد مواقيت الصلاة (مواقيت مفردها ميقات)، ولهذا أعتقد أن تسمية العائلة بالميقاتي تعود لهذا السبب وبالتالي فأن المنحى الديني هو أساسي بالنسبة إليكم.
أعود لجوهر الموضوع، في آخر شهر شباط الماضي صدر عن مجلس الوزراء المرسوم رقم 13020 وهو يقضي بمنح الموظفين بمن فيه المتقاعدين زيادة على الرواتب سمّيتموها مساعدة اجتماعية وتعادل أربعة أضعاف الراتب الأساسي الذي كان الموظفون يتقاضونه إضافة إلى أربعة رواتب سابقة (أي ان المساعدات الاجتماعة بلغت ما يساوي تسعة أضعاف الراتب)، علما بانه، من أجل الإنصاف، فإن تعديلا منصفا للراتب يجب أن لا تقل مضاعفته عن خمسين ضعفا.
كما أن عبارة «مساعدة اجتماعية» مرفوضة أساسا لأن المساعدة تعطى للمحتاجين دون أن يكونوا أصحاب حقوق وليس لمن سرقت حقوقهم. ومع أن الزيادة كانت زهيدة عما كان يتوقعه الموظفون والمتقاعدون ولكن هذه الزيادة الزهيدة تضمنت تبريرا بسبب وضع الخزينة السيئ ولكن، وهو الأهم، كانت تتضمن وعدا بسلسلة رتب ورواتب جديدة في شهر حزيران، ولأن الموظف في الخدمة أو المتقاعد، دائما يضحّي ويقبل تحمّل الأعباء على أمل إنصافه مستقبلا، فلقد رضي الموظفون والمتقاعدون بالزيادة الزهيدة على أمل الإنصاف في شهر حزيران، خاصة وأنكم طلبتم من رئيسة مجلس الخدمة المدنية السيدة نسرين مشموشي إعداد دراسة حول رواتب الموظفين والمتقاعدين. وأعدّت السيدة مشموشي ما هو مطلوب منها بعدما أجرت اجتماعات واستشارات مع من هم معنيون.
عقدتم أكثر من اجتماع مع رئيسة مجلس الخدمة المدنية في شهر أيار الماضي، حيث عرضت عليكم ما توصلت إليه، ولكن تبيّن لكم بعد رأي مستشاركم الوزير السابق نقولا نحاس أن الدراسة تحتاج لأبحاث جديدة واعطيتموها موعدا في شهر تشرين الأول القادم لإنجازها، وتبيّن بقناعة الجميع أن الهدف ليس إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة، بل إغراق المجلس بمجموعة من الأسئلة لإيهام الناس أن التأخير ليس بسببكم بل لأن مجلس الخدمة المدنية لم ينجز ما هو مطلوب منه، ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، فقد سبق أن أعلن بعض المقرّبين منكم من أنكم تفضّلون أن تتحمّل مسؤولية أي سلسلة جديدة للرتب والرواتب حكومة الرئيس الجديد.
ورغم قناعتي بصوابية هذا التوجه، ولكن اسمح لي بأن أسأل دولتكم بكل احترام، إذا كنتم لا تريدون تحمّل مسؤولية سلسلة رواتب جديدة، قد ترهق الخزينة، فكيف تقبلون بفرض ضرائب جديدة لا يستطيع المواطنون أصحاب الدخل المتدنّي من تحمّلها؟!
الأمر يا دولة الرئيس لا يحتمل تقاذف المسؤولية، فمجرد إعداد الموازنة واعتبار الدولار 89500 ليرة لبنانية فيكون من يتقاضى 20 مليون ليرة كراتب لا يتجاوز راتبه الشهري الـ220 دولارا، وهنا أسألك بصراحة: هل يكفي هذا المبلغ لعائلة من شخصين؟ وأسألك سؤالا وجدانيا: ألا يشعر المسؤول اللبناني بالخجل عندما يعلم أن مثل هذا المبلغ الذي يتقاضاه اللبناني كانت تتقاضاه الخادمة علما بان الخادمة تأكل وتشرب وتلبس وهي مضمونة صحيا وتسكن في منزل مخدومها. أي أن وضع الخادمة هي أفضل منه بكثير.
وعلى وزير المالية، النشيط في إعداد الموازنة نظريا أن يشرح للذين يتقاضون رواتب تقل عن الخمسمائة دولار كيف سيعيشون؟ ولعل ما نجح فيه معالي الوزير هو نجاحه في التمييز بين الموظفين فهناك بنظره من هم أبناء ست وأبناء جارية. ولعل ما تضمنه المرسوم 13020 تاريخ 28/2/2024 من استثناءات يكشف بوضوح هذا التمييز، إضافة إلى توزيعه الدولار النقدي على بعض المحظيين في وزارة المالية، وهو إجراء لم تسبقنا إليه أي دولة في العالم.
فإذا كان مهما عدم إرهاق الخزينة بالأعباء فالأهم هو عدم إرهاق المواطن بضرائب لا قبل له فيها وغير قادر على مواجهة تكاليف الحياة براتب متدنّ.
وعلى هذا كان تحرك المتقاعدين عسكريين ومدنيين بعد إعداد الموازنة لأنهم لم يجدوا فيها أي أمل بإنصافهم بل وجدوها محشوة بالضرائب والتي تطال كل أصحاب الدخل المحدود. (ربما أعود للتعليق على مشروع موازنة 2025 لاحقا).
أريد أن أبلّغك يا دولة الرئيس بأن من هم في الخدمة متضامنون معنا، فموظف اليوم هو متقاعد غدا. ولن تجدي محاولات التمييز بينهم.
ولا تظنّن يا دولة الرئيس انك انتصرت على التحرك الشعبي للمطالبين بحقوقهم، فنجاحك في عقد جلسة لمجلس الوزراء خلسة بعد إلغاء الجلسة المقررة سابقا بسبب فقدان النصاب، لا تعدّ انتصارا، فالمسؤول لا يمكن أن ينتصر على شعبه، وإياك أن تقتنع بهذا الانتصار الوهمي، الانتصار الحقيقي يا دولة الرئيس هو أن تنتصر على نفسك لا على شعبك والانتصار يكون بأن تفي بالوعد الذي قطعته يا دولة الرئيس ميقاتي: {وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا} (سورة الإسراء).
تضامنا مع دولتكم فقد زاركم كل من رئيسي الوزراء السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، ومع تقديري لهذا الدعم فلا بد انهم نصحوك بإنصاف الموظفين والمتقاعدين وحتى يقال رئيس الوزراء أنصف المظلومين وأعاد إليهم بعض حقوقهم ولا يقال أن رئيس الوزراء انتصر على شعبه بتجاهله مطالبهم.
وأنهي كتابي بالحديث الشريف: قال رسول الله عليه السلام: «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله أنصره إن كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «تحجره (أي تمنعه من الظلم) فإن في ذلك نصره».