Site icon IMLebanon

حتى لا يكون ميقاتي السنيورة الثاني

 

 

 

لا يتحدّث أحد عن العقدة الفعلية والحقيقية التي تحول دون اتفاق اللبنانيين على تقديم صيغة ناجزة لاقتراح وقف إطلاق النار، فالأحاديث تتطاير حول النداءات الثلاثية (نبيه بري، نجيب ميقاتي، وليد جنبلاط) وانتظار الموقف المسيحي في الضفة الأخرى، وكأنّ الموقفين لا يلتقيان وبينهما برزخ لا يبغيان، في حين تستمرّ مناورات تضييع الوقت والمغامرة بحياة اللبنانيين، من دون مصارحة الرأي العام عن العقدة الداخلية الحقيقية المانعة لبدء مسار وقف إطلاق النار قبل الرئاسة وقبل أيّ أمرٍ آخر.. إنّها عقدة فكّ المسار اللبناني عن جبهة غزة.

يعلم كلّ أهل السياسة في البلد أنّ فك مسارنا عن مسار غزة هو المدخل الشرطيّ للولوج إلى مشروع قابل للحياة لوقف إطلاق النار بين «حزب لله» والعدو الإسرائيلي، ولا يكفي بالطبع إعلان الرئيس نجيب ميقاتي أو الرئيس نبيه بري القبول بالقرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش للانتشار جنوباً بعد وقف النار، فهذا الأمر لا يستقيم طالما لم يوافق «حزب لله» ومعه الرئيس بري أولاً على فصل المسارين وإنهاء الارتباط بجبهة غزة التي لم تستفد فعلياً من إسناد «حزب لله» إلاّ بالجانب المعنوي وبعض الومضات من التأثير العسكري.

 

السؤال هنا: من يستطيع الإعلان عن فصل الجبهة في لبنان عن جبهة غزة؟

طرفان معنيان بهذا الموقف – القرار:

– الرئيس نجيب ميقاتي الذي بات مقتنعاً بضرورة الفصل، لكنّه لا يستطيع ذلك منفرداً، لأنّه سيتعرّض للتخوين والطعن، ولتكرار تجربة الانقلاب على الرئيس فؤاد السنيورة إباّن عدوان العام 2006 لتتحوّل حكومته من حكومة المقاومة السياسية إلى حكومة العمالة والطعن والغدر، ولا شكّ أنّ ميقاتي ليس مضطراً إلى تحمّل أعباء ومخاطر هذا الموقف منفرداً، على قاعدة: «ما متت، ما شفت غيرك كيف مات»؟

لهذا السبب يناور الرئيس ميقاتي ويطلب من الرئيس نبيه بري الوقوف إلى جانبه من أجل تخريج الموقف اللبناني وتقديمه للمجتمع الدولي، لكنّ بري لا يستطيع التجاوب لسببين:

 

– الأول: الخشية من التخوين باعتبار أن الاستمرار في جبهة الإسناد يعتبر من وصايا السيد حسن نصرلله والتخلّي عنها ستعتبره شريحة واسعة بمثابة الخيانة، خاصة أنّ «الأستاذ» بنى أمجاده على أساس نقض تاريخ كامل الأسعد وإسقاط اتفاق السابع عشر من أيار، وأيّ تراجع في هذا المجال سيمسّ بصورته موقعه ومكانته أمام الجمهور الشيعي بشكل خاص.

– السبب الثاني: أنّه لا ضمانة على موافقة رئيس وزراء العدو نتنياهو على الطرح اللبناني، فيخسر بري الأولى والآخرة في السياسة.

من هنا، وكسراً لهذا الجمود والتردّد في الموقف السياسي، فإنّ المخرج المتاح هو أن يستجيب الرئيس بري لدعوة نواب المعارضة ويفتح أبواب المجلس النيابي لعقد جلسة نقاش حول كيفية حماية لبنان من تداعيات العدوان الصهيوني تلتقي فيها كلّ الكتل الحزبية والنواب المستقلون، وتُدعى إليها المرجعيات الدينية للحضور والمشاركة وإبداء الرأي وكذلك الهيئات الاقتصادية لتوفير أكبر غطاء ممكن للقرار الذي ينبغي أن يخرج بفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، بشكل واضح وقاطع، وبهذا يرتفع الحرج عن الجميع، فيتلافى الرئيس بري إشكالية الاعتراض الشيعي بالاندماج في الإجماع اللبناني، ويحصّن الرئيس ميقاتي الموقف الرسمي، وتتحقّق وحدة وطنية جامعة في مقاربة التحديات المصيرية الداهمة.

وبانتظار تحقيق هذه الآلية، لا ينبغي للرئيس ميقاتي أن يتّخذ القرار منفرداً، حتى لو سمع شفاهة كلّ الزعماء والرؤساء يدفعونه إلى هذا الموقف، ففي العام 2006 سمع الرئيس فؤاد السنيورة من السيد نصرلله رحمه لله شخصياً الموافقة على القرار 1701 ثم حصل الانقلاب بعد ذلك وتعرّض رئيس حكومة المقاومة السياسية إلى أبشع حملات التخوين والاستهداف في تاريخنا السياسي المعاصر، وهو رغم ذلك عاد لتكرار موقفه الوطني المتضامن مع الشعب والدولة والداعي إلى حماية لبنان.

فيا دولة الرئيس ميقاتي، لا تتفرّد حتى لا تكون السنيورة الثاني، لأنّ على الجميع مواجهة ساعة الحقيقة.