IMLebanon

التكاتف والهواء: من يملأ من؟

 

من سوء حظ الرئيس نجيب ميقاتي أن كرسي الرئاسة شاغر في جمهورية الموز التي نعيش فيها. مع من يتقاسم الفشل؟ إذاً هو الكل بالكل حالياً على المستوى التنفيذي. بالتالي من سوء حظ الشعب اللبناني أن كرسي الحكومة أيضاً شاغر، عملياً. فلا هذا الرئيس كافٍ على مستوى المسؤوليات والواجبات، ولا الشعب مكتفٍ على مستوى الحقوق والحاجات، خصوصاً في ظروف العدوان الخارجي والداخلي الذي نعيشه. الرئيس ميقاتي شبيه بحبة حلويات تبقى في فمك لبعض اللحظات وفي خصرك لبقية العمر مهما كان الريجيم. هو لاعب تدويري، ينصرف إلى إدارة ملياراته في أوقات العز (أي عند لا حاجة لنا به)، ويعود دائماً إلى الحكومة في كل أوقات المِحَن على مر السنين (أي عندما نكون بأشد الحاجة إلى غيره). أين الخطط الحكومية العملانية من تأمين ولو نسبة صغيرة من حاجات المواطنين القادمين إلى بيروت وبقية المناطق؟ أين المؤونات وعدة العمل التي يجب أن تكون مرصودة للطوارئ؟ أين فِرق العمل في كل الوزارات لسد الحد الأدنى من الإيواء، التغذية، الطبابة، الدواء، التواصل، التعليم، الأمن، والتنظيم؟ ظروفنا ومأساتنا الحالية تتطلب أكثر بكثير من هذا الهراء الحكومي.

من سوء حظ العماد جوزيف عون أن كرسي القائد الأعلى للقوات المسلحة شاغر في حارة «كل مين إيدو إلو» التي نعيش فيها. مع من يتقاسم الفشل؟ إذاً هو الكل بالكل حالياً على المستوى العسكري. بالتالي من سوء حظ الشعب اللبناني أن قيادة الجيش أيضاً مكبلة، عملياً. فلا هذا القائد قادر على تخطي القرار السياسي الدولي (وأتمنى أن أكون على خطأ) للارتقاء إلى مستوى مسؤوليات الدفاع وواجبات الحرب، ولا الشعب مكتفٍ على مستوى أمن الوطن وسلامة المواطن، خصوصاً في ظروف العدوان الخارجي الذي نعيشه. القرار الدولي يريد لقيادة جيشنا أن تكون كالكرنب الملفوف، حجمه الكبير في حقل السيادة اللبنانية يوازي قرار أصغر رأس باذنجان في السفارة الأميركية، أو البريطانية، أو الفرنسية، أو الألمانية. أو ربما، «بعيد الشر» إذا خسرنا هذه الحرب، الإسرائيلية. نفهم أنه ممنوع تسليح الجيش إلا في المواجهات الداخلية (على قاعدة محمود عباس). بالتالي الغرب يريدها قيادة صوَرية، تنصرف إلى نسج الإستراتيجيات العسكرية الخيالية في أوقات السلم (أي، على اعتقاد الشعب، تحضيراً ليومٍ أسود)، وتنصرف إلى التقيد بأوامر التحضير للتنصيب في رئاسة الجمهورية في أوقات الحرب (أي عندما نكون بأشد الحاجة إلى قواتنا المسلحة). نريد الجيش لاعباً بارزاً في مواجهة العدوان الجاري على كل لبنان، ابتداءً من الحدود الجنوبية؟ أين الجيش من الوجود السري/العلني المظلل/المكشوف للخبراء العسكريين الأميركيين والسي آي إيه السارحين ذهاباً وإياباً بين المطار وعوكر؟ أين هو على الأرض ينظم الشؤون اللوجستية لسلامة أكثر من مليون لبناني يبحثون عن النجاة؟ فليشرح لنا أي عاقل لماذا غير مسموح أن يرمم الجيش معبر المصنع لكسر الحصار البري المفروض على كل لبنان؟ ظروفنا ومأساتنا تتطلب أكثر بكثير مما يفرضه علينا الغرب من حدود التباهي فقط بعسكرتاريا كرتونية. جيشنا وقائده أشرف وأعلى بكثير من ذلك. نريد الافتخار بالجيش كما نفتخر بالمقاومة.

من سوء حظ الوكيل وسيم منصوري أن منصب حاكم مصرف لبنان شاغر في كازينو القطاع المالي الذي سرق أموالنا. مع من يتقاسم الفشل، فيما زميله السابق يتلذذ السيجار الكوبي على سطح العدلية؟ إذاً هو الكل بالكل حالياً على مستوى السياسة النقدية. بالتالي من سوء حظ الشعب اللبناني أن المصرف المركزي عاطل عن العمل. فلا هذا الحاكم بالوكالة كافٍ على مستوى هيكلة المصارف الجشعة وإعادة الثقة بالليرة، ولا الشعب مكتفٍ على مستوى استعادة ما سُرق منه وتقطيب الجيبة، خصوصاً في ظروف السرقة الوطنية والحصار الاقتصادي الأميركي الذي نعيشه. مهمة حاكمية المصرف الوطني، على الوتر الحريري الذي عشناه غصباً منذ عام 1993، هي (خذوا نفَساً طويلاً لقراءة الجملة التالية) إمداد نفعي لجيوب السياسيين الذين يفرضون الضرائب على الطبقات المتوسطة وما تحتها التي تدخر عرق الجبين في مصارف خاصة تقرض دولة السياسيين والمصرف الوطني بفوائد عالية وترفض إعادة الودائع إلى أصحابها. هي دورة جهنمية، يقودها مايسترو الحاكم الأصلي أو بالوكالة، المشغول بتثبيت سعر الصرف على هواه في أوقات السلم (دون تفسير منطقي)، والعاطل عن العمل في أوقات الحرب (دون تفسير منطقي لماذا يثبت الدولار من تلقاء نفسه خلال الأوضاع الكارثية حالياً). أين مصرف لبنان من حجز حسابات المليارديرية العشرة في البلد الذين لم نرهم يوماً يتصببون عرقاً لجني الثروات المشبوهة؟ وْلُوه، قسم صغير من تلك الثروات يغطي قسماً كبيراً من حاجات اللبنانيين الأساسية. ظروفنا ومأساتنا تتطلب أكثر بكثير من هذا الاحتيال الوطني والشعوذة المالية.

 

في ظل مأساة اليوم، لا تسمح معظم المؤسسات العالمية للمنظمات القابضة باستعمال الميزانيات المرصودة في مداواة جراح العائلات اللبنانية القادمة من الخراب

 

من سوء حظ عدد من (وليس كل) المنظمات اللبنانية غير الحكومية أن ميزانياتها مليئة لكن مقيّدة، في دولة التسول التي نعيش فيها. على من تلقي اللوم؟ هي لم تكن يوماً صاحبة قرار نفسها أصلاً. بالتالي من سوء حظ الشعب اللبناني أن مشاريع المجتمع المدني فارغة المضمون، عملياً. فلا برامج الديموقراطية النظرية أو مسودات السلم الأهلي أو التوعية على محبة «الآخر» تفي بالغرض حالياً، ولا الشعب «باله فاضي» للفولكلور التنظيري كما تريده لنا مؤسسات «الصندوق الوطني للديموقراطية (ان إي دي)» و«منظمة الشفافية الدولية» و«المعهد الديموقراطي الوطني (أن دي آي)» و«مؤسسة سوروس المفتوحة للمجتمع» و«مؤسسة فريدريش إيبرت» وغيرها. في ظل مأساة اليوم، لا تسمح معظم المؤسسات العالمية للمنظمات القابضة من استعمال الميزانيات المرصودة في مداواة جراح العائلات اللبنانية القادمة من الخراب. الكثير بين مدراء المنظمات اللبنانية غير الحكومية مثال العاهرات الغالية الثمن ذات المستوى الرفيع. فالمدير والعاهرة يختاران من يشاءان ويرفضان الزبون «المش دفّيع بالكافي». لكنْ كلاهما مجبور أن يقبل أي عرض من أحد ما كي لا يقفل أبواب العمل. اسألوا أمثال «السيادي» ميشال معوض. الأموال مرصودة لـ«الثورات» الملونة فقط. ظروفنا ومأساتنا الحالية تتطلب أكثر بكثير من عهر المجتمع المدني.

من سوء حظ أكثرية (وليس كل) وسائل الإعلام أن ثرثار التشاؤم، في جمهورية الأقنعة الخبيثة التي نعيش فيها، غبي وسهل المراس. من السهل كشف قناع الثرثار أو معرفة حقيقة من ليس لديه مواقف فكرية وطنية عميقة وغير منبطحة، لذلك يسهل فهمه أو معرفة نواياه. إذاً هو واضح للأذن المجردة. بالتالي من حسن حظ الشعب اللبناني أن حتى أطفالنا يدركون في وعيهم أهداف الإعلام اللبناني الممول خليجياً. هو نادي زئير ضوضائي مميز بحرف الزين: زيف الكلام، زهايمر الفكر، زنا التعبير، زعزعة الاستقرار، زحام الفوضى، زعم الأكاذيب، زميل السوء، زخرفة فارغة، زوال الأخلاق، زغاريد سلبية، زقاق التفكير، زهو الغرور، زعل الإحباط، زلل التصرف، زجر التخويف. تلك مزايا بالدزينة مجموعها زَخَارَة من الزبالة الزخمة. فلا هذا الإعلام مرتقٍ إلى مستوى المسؤولية الصحافية أو شرف العمل الإخباري، ولا أكثرية الشعب اللبناني غاشي القلب، ما عدا قلة من المعقّدين نفسياً وضامري الشر لإخوتهم في الوطن. كيف يسهم هكذا إعلام في مساندة العدو في التصويب على المدنيين؟ للأسف، لا رقابة ولا معايير ولا من يحزنون، إذ إن مستوزري الإعلام والصحافة في كل حكومات المزح المتعاقبة مقتنعون أن «نادي الزين» مرادف لحرية التعبير. ماذا يتوقع الشعب اللبناني (والشعوب العربية) من رؤساء تحرير يشبهون سماسرة الفواحش المتذللين للبترودولار؟ صحافة أولئك عبارة عن قلة فهم تتحاور مع ضعيف الفصاحة أمام جمهور لا يفقه. على اعتقادي أنّ أصدَق جزءٍ في وسائل إعلامهم المرئية والمكتوبة هو قسم الإعلانات التجارية. وأدق خبر صحافي ممكن هو النقل عن الصمت؛ من المستحيل تأويل الصمت أو تكذيبه. نصيحتي لأربعة ملايين لبناني أن يأخذوا معاً في آنٍ واحد مدة ساعة كاملة من الصمت، كي تسنح لوسائل الإعلام اللبنانية/الخليجية أن تنقلَ بدقة مطلقة لو شيئاً واحداً في حياتهم. الصمت خير دواء لإخراس ثرثرة الإعلام. ظروفنا ومأساتنا الحالية تتطلب أن نتخطى الأصوات المزيفة.

تلك أمثلة عن هواء فارغ يملأ كلمات التكاتف الرسمي، خالٍ من المضمون وواضح الزيف. إنه الفشل الرسمي المزمن على كل الأصعدة، في هيكلٍ شاغر يبحث عن شخصيات فارغة لتنصيب ريادة خالية، فيما أبناؤنا يخوضون معركة وجودية. قارنه بالتكاتف الشعبي الذي يملأ الهواء، من أجمل ما ينتجه اللبناني للتعاضد مع أخيه وأخته من كل المناطق؛ هل يدوم مهما طالت الحرب، رغم الصعاب؟ وما هي قدرة كل المواطنين على تحمل بعضهم بعضاً أمام التحدي الإسرائيلي اليومي لإفشال التكاتف الشعبي وبث الخوف بين الناس؟ هنا حاجتنا إلى الدور الرسمي والتكاتف في الدولة، فهل من يسمع ويفعل ويتحدى الضغوط الخارجية؟ عند الشدائد يظهر الوجه الحقيقي لكل إنسان، وتسقط أقنعة الوصوليين والانتهازيين، وتبرز الوجوه الساطعة لمن هم على مستوى الإنسانية، الحرية، المقاومة، والكرامة.

* كاتب لبناني