تحذيرات من النكوث بالوعود
تبدّلت خريطة المنطقة ككل، وشكّلت سوريا بسقوط نظام بشار الأسد المدخل للتغيير الكبير. وفيما بدأ محور “الممانعة” يتساقط كأحجار “الدومينو”، سيتأثر لبنان حكماً بهذا السقوط، إلا أن البعض في بلد الأرز يكابر وكأن شيئاً لم يحصل وتتصرّف السلطة وكأنها لا تزال خائفة من “الممانعة” أو متواطئة معها، تشرّع أبواب لبنان لقيادات نظام الأسد ولنشاط “حزب الله”.
قد يكون مبرراً لـ “حزب الله” والممانعة الإبقاء على الخطاب نفسه أو محاولة إظهارهم للداخل استمرار امتلاكهم فائض القوة، لكن ما هو غير مبرّر ويثير غضب الأغلبية الساحقة من اللبنانيين استمرار خوف بعض المسؤولين والدوائر الرسمية من نفوذ “حزب الله” الذي ضعف إلى أقصى الحدود.
شكل 27 أيلول يوم اغتيال الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله منعطفاً مفصلياً في تاريخ محور “الممانعة”، واستمر مسلسل السقوط الكبير لـ “الحزب” إلى حين الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار الذي صُنّف كاتفاق خنوع واستسلام. وفجر الثامن من كانون الأول استكمل مسلسل سقوط “الممانعة” بفرار بشار الأسد وعائلته إلى روسيا وانتهاء نظام “البعث”.
وحده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لا يقرأ كل هذه المتغيرات، ويواصل الالتحاق بسياسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي و”حزب الله” ومحاولة التذاكي على المجتمع الدولي. الجميع لاحظ هذا الأمر، وأولهم رئيس الحكومة السابق تمام سلام في ربيع 2022 بعد تكليف ميقاتي مجدداً تأليف الحكومة، يومها وضع ميقاتي كل رصيده في جيب برّي تحت شعار عدم إعطاء النائب جبران باسيل مكتسبات في آخر عهد الرئيس ميشال عون، فنصح سلام ميقاتي أن لا يغرق كثيراً في مستنقع “الثنائي الشيعي”.
رحل عون عن بعبدا، واستمر ميقاتي في تطبيق سياسة برّي خارقاً منطق تصريف الأعمال ومستمراً بضرب صلاحيات رئيس الجمهورية ومغضباً المسيحيين قيادةً وشعباً.
نصائح عدّة تم توجيهها إلى ميقاتي للتصرّف كرجل دولة وعدم تطبيق سياسة “الثنائي الشيعي”، صم أذنيه عن النصائح المحليّة والدولية، والأخطر كان بعد دخول “حزب الله” حرب الإسناد. فقد انهالت النصائح على ميقاتي بتحييد الدولة والضغط على “حزب الله” لتطبيق القرار 1701، تجاهلها وأصغى إلى “حزب الله” وبرّي الذي شارك في حرب الإسناد من خلال مشاركة أفواج من “حركة أمل”.
زيارات الموفد الأميركي آموس هوكستين المتكررة إلى بيروت لم تفض إلى نتيجة، وقعت الحرب الطاحنة وانتهت باتفاق الهدنة. وافق “حزب الله” على بنود الاتفاق وقطع كل من ميقاتي وبرّي الوعود للمجتمع الدولي وأقرّت الحكومة الاتفاق وكلّفت الجيش اللبناني تطبيقه.
وفيما كان يُنتظر من لبنان تطبيق الاتفاق بكل مندرجاته لحماية لبنان، بدأت لعبة التذاكي وأبطالها “حزب الله” عبر ميقاتي وبرّي، وبدل أن يمنح ميقاتي الغطاء الكامل للجيش لفرض الأمن، وقف كشاهد زور أمام تهجّم وزراء “حزب الله” على قائد الجيش العماد جوزيف عون في اجتماع السراي.
ويُستكمل مسلسل التذاكي من خلال الادعاء بأن الاتفاق ينص على انتشار الجيش في جنوب الليطاني وجمع السلاح في تلك المنطقة وليس في كل لبنان، بينما من يقرأ الـ 1701 جيداً يدرك أن القرار يتضمن كل القرارات السابقة وأبرزها القرار 1559.
إذا كان انغماس ميقاتي في ألاعيب برّي و”حزب الله” يدخل ضمن الاستقواء على الداخل، إلا أن ما يحصل حالياً هو لعبة خطيرة جداً قدّ تؤدّي إلى تدمير المؤسسات واشتعال حرب جديدة. أخذ ميقاتي على عاتقه مع برّي تطبيق بنود الاتفاق ووضعا الجيش اللبناني في “بوز المدفع” للتصرّف على الأرض، أما التنصّل من الاتفاق كما يحصل الآن فله تداعيات كارثية.
يتساءل عدد من الدبلوماسيين والسياسيين عن تصرّف ميقاتي بهذه الطريقة؟ وإذا لم يكن قادراً على الوفاء بالوعود التي قطعها للأميركيين لماذا أقدم على ذلك وورّط الدولة معه؟ هل لشراء الوقت لـ “حزب الله” بعد الضربات التي تلقاها؟ ولماذا يضع الدولة بأجهزتها كافة وعلى رأسها الجيش في مرمى الاستهداف الإسرائيلي؟ فإسرائيل بلّغت عدداً من الدوائر العالمية بأن الحرب إذا عادت واندلعت ولم يُضبط “حزب الله” كما وعدت الدولة اللبنانية ستقع على “الحزب” والدولة التي أخذت على عاتقها تطبيق الاتفاق.
إنطلاقاً من كل هذه المعطيات وبعدما شرّع ميقاتي أبواب لبنان في وجه قيادات الأسد أو بصرف النظر عن تواجدهم في بيروت، وصلت الرسائل إلى ميقاتي سواء المرتبطة بالوضع السوري أو بوضعية “حزب الله”، وإسرائيل جديّة في تهديداتها وواشنطن على علم بذلك، فهل سيتصرّف ميقاتي كرجل دولة ويفكّ ارتباطه وارتباط الدولة عن “الثنائي الشيعي”، أو سيستمرّ بسياسته ويصمّ آذانه عن النصائح ويتسبب بتهجير الشعب مجدداً وضرب الدولة والجيش؟