IMLebanon

نجيب ميقاتي: نهاية حقبة

 

قبل سنتين، حاول نوّاب سنّة شماليّون التحرّك لفتح مطار القليعات، وقالوا عن حقّ إنّ فتحه ينعش عكّار، وطرابلس، وعموم الشمال، ويخلق دورة اقتصاديّة تحتاجها مناطقهم بشدّة. رفض “حزب اللّه” ونبيه برّي الفكرة رفضاً قاطعاً. ولم يبذل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أيّ جهد لفتح المطار، مع أنّه يفيد مدينته طرابلس بشكل مباشر. أعادت المحاولة الفاشلة لفتح مطار القليعات آنذاك تظهير اثنتين: الكراهية المذهبيّة التي تحرّك “الثنائي الشيعي”، وصورة ميقاتي كرئيس حكومة يدين بمنصبه للثنائي، ويكتفي بممارسة شكليّة لسلطة جوهرها عند غيره.

 

 

 

هناك معادلة واضحة ينبغي الانتباه إليها عند التفكير بمسار ميقاتي السياسي في العقدين الأخيرين، هي التالية: بمقدار ما ضعف الدور السنّي في لبنان لمصلحة “الثنائي الشيعي”، بمقدار ما تزايدت حظوظ نجيب ميقاتي بالوصول إلى منصب رئاسة الحكومة، والبقاء فيه. للتذكير: صار ميقاتي رئيساً للحكومة بعد اغتيال رفيق الحريري – ولو بقي الحريري حيّاً، لما وصل ميقاتي إلى منصبه. ثمّ عاد ميقاتي لاحقاً إلى السراي الحكومي بعد سقوط سعد الحريري وتراجع دور تيّار المستقبل. ولو لم يسقط الحريري، لما عاد ميقاتي إلى السلطة. لذلك كانت الصفعة القاسية التي تلقّاها ميقاتي البارحة في مشاورات التكليف منطقية سياسيّاً لأنّها عكست، من جهة، نهاية حقبة السيطرة الشيعيّة على السياسة اللبنانيّة، وعلى رئاسة الحكومة تحديداً، كما عكست رغبة لبنانيّة عميقة بسحب ما بقي من سلاح “حزب اللّه”، ومحاسبة المنظومة الفاسدة التي حمتها الشيعيّة السياسيّة وكسرت بالقوّة عاميّة 17 تشرين كرمى لها. ومن نافل القول إنّ ميقاتي آخر سياسي سنّي يلائم هذا النوع من التطلّعات اللبنانيّة نظراً لتاريخه مع “الثنائي الشيعي”، فضلاً طبعاً عن علاقاته المعروفة بالنظام السوري البائد.

 

 

 

والحال أنّ إصرار “الثنائي” على إبقاء ميقاتي في السراي كان وقاحة بحقّ اللبنانيّين عموماً، والسنّة بشكل خاصّ، فضلاً عن كونه خطأ إضافيّاً بقراءة موازين القوى الجديدة يضاف إلى سلسلة أخطاء مكلفة بدأت عندما تورّط حسن نصراللّه بحرب الإسناد. افترض “الثنائي الشيعي”، حتّى بعد الهزيمة النكراء التي حلّت به، أنّه لا يزال قادراً على فرض رئيس حكومة يمثّل ما يرفضه عموم السنّة، وجلّ اللبنانيّين، لجهة الاستسلام التامّ لنبيه برّي و”حزب اللّه”، والدفاع حتّى اللحظة الأخيرة عن تفسير “الحزب” للقرار 1701، وهو تفسير جوهره إصرار هذه الجماعة على الحفاظ على سلاحها موجّهاً صوب اللبنانيّين في شمال الليطاني، بعد أن فقد كلّ وظيفة له في جنوبه.

 

 

 

بالحقيقة، أوحت محاولة “الثنائي الشيعي” إبقاء قبضته على موقع رئاسة الحكومة من خلال نجيب ميقاتي أنّ الحرب على السنّة التي بدأت مع اغتيال رفيق الحريري مستمرّة. هذه الحرب تقاطعت مع حرب من نوع آخر على اللبنانيّين العاديّين من كلّ الطوائف الذين نهبتهم المنظومة، وأفقرتهم. كان واضحاً من متابعة الاستنفار الاستثنائي للرأي العامّ اللبناني في اليومين الأخيرين ضدّ عودة ميقاتي إلى الحكم أنّه يعلم أنّ المنظومة لن تحاكم نفسها، وأنّ ميقاتي رجلها في الحكم. لم يكن هذا الاستنفار موجّهاً ضدّ ميقاتي وحسب، بل كان أوّلاً ضدّ الثنائي الذي حرّكه لسنوات. وقد رفد هذا الاستنفار إحساس عامّ أنّ المجتمع الدولي الذي دعم وصول جوزاف عون لرئاسة الجمهوريّة لن يقبل بنقيضه برئاسة الحكومة. أمّا وقد صار ميقاتي خارج الحكم، وتلقّى الثنائي صفعة موجعة جديدة، فالأمل اليوم بمسار سياسي يترجم خطاب القسم إلى واقع عملي، بدءاً بالشرط الشارط لأيّ تقدّم جدّي بلبنان، عنيت حصريّة السلاح بيد الدولة اللبنانيّة.