في يوم الإستشارات الملزمة، لم يبتعد الرئيس نجيب ميقاتي كثيراً عن قصر الشعب، لإدراكه المسبق أن دوائر الرئاسة ستتصل به بعد الظهر. ويخال إلي أن دولة الرئيس تغدّى سندويشة شاورما مع قنينة كازوزا ثم أخذ قيلولة بالسيارة تحت فَيْء شجرة كينا على بولفار كميل شمعون. ترك صوت الراديو مسموعاً كي لا يأخذه النوم. وما بين الصاحي والغافي سمع دولة الرئيس نتيجة الإستشارات. ارتسمت ملامح ابتسامة على وجهه. “جلّس” الكرسي إلى جانب السائق. فرك عينيه. تنحنح وقال لسائقه: “إطلع يا اسطا” فأدار الإسطا محرّك السيارة وكانت فيروز تغني: راجعين يا هوى راجعين.
وصبيحة يوم الإستشارات النيابية، ترك الرئيس ميقاتي منزله باكراً وقام بجولة على بيوت الطلبة بين بعبدا واليرزة ووجد مطلبه بسعر معقول: غرفة مع سرير بطول مترين وعشر سنتيمترات و”كيتشينيت” وحمام مستقل، مع إنترنت وكهربا 24 على 24. عرف أنه سيطلع إلى بعبدا وينزل إلى القصر مرة في اليوم، وعلى مدى شهر أو شهرين ليُطلع صاحب الفخامة أولاً بأول على الرسم التقريبي للحكومة ويأخذ بملاحظاته ويتزوّد بتوجيهاته. وقد تعنّ على بال الرئيس في أي لحظة فكرة جبرانية، فيتصل بالرئيس المكلّف: “نجيب عاوزك، جيب معك كيلو معمول مدّ من عند الصفصوف وتعال إلي لندردش”. لذا وجد نجيب أن من الأنسب أن يكون على مقربة من بعبدا، فاستأجر الغرفة لشهرين، لإعداد الفروض الوزارية، بدلاً من أن “يطقّ” كل يوم مشواراً من فردان إلى بعبدا.
طلع نجيب. نزل نجيب. حمل نجيب تصوراً، فحُمّل تصوّراً مختلفاً. طلع ليحل عقدة. فنزل بعقدتين. طلع بورقة مطبوعة word نزل بورقتين Excel. طلع بمقاربة، نزل دركبة. طلع بصيغة متوازنة ومدروسة. نزل بملاحظات على الصيغة مرفقة بدرس في الفقه العوني، طلع بصيغة معدّلة بناء على ملاحظات الرئيس، نزل بصيغة رئاسية بناء على ملاحظات صهر الرئيس الـ “ما بدّو شي من هالدني غير إنو يشوف إصلاح وميثاقية. وإزدهار وسعادة”. طلع نجيب لمقابلة الرئيس عون، طلع بوجو الرئيس سليم جريصاتي. طلع بسلة مليانة عنب ورمّان لفّاني، نزل بسلّة فاضية.
سيمضي شهر ونجيب طالع بإسم، ونازل بإسم. طالع بفكر منفتح. نازل بقلب منتفخ. طالع بصيغة مروتشة. نازل بصيغة “مفرطشة”. طالع على بعبدا. نازل على ساحة بعبدا. سيمضي شهران قبل أن يكتشف النجيب الحبيب أنه أضاع ستين يوماً بلعبة يا طالعة يا نازلة.