يعرف رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أنه لن يتمكن من الذهاب إلى مكان عام من دون أن يتم التعرض له شعبياً.
فالشعب يدينه ويدين غيره من المسؤولين، ولا يتوانى عن ملاحقتهم في مطعم أو مقهى أو ملهى وتحميلهم مسؤولية الجحيم الذي يعاني منه بفضلهم. ربما لهذا كان خارج البلاد عشية تكليفه، وفي مكان آمن من ملاحقة مواطن بهاتفه الجوال ليسجل واقعة طرده من المكان العام ويوزعها على مسائل التواصل الاجتماعي. وربما لهذا قرن أمله بالنجاح في مهمته بتوقه للخروج إلى مقهى أو مطعم، كما في الأيام الخوالي، من دون التعرض إلى غضب الناس.
ويعرف أنه لا يستطيع أن يشارك في برنامج حواري مع جمهور من دون أن يصار إلى جلده على الهواء مباشرة.
ويعرف محاوره ذلك، فيلغم السبب الأساسي للغياب عن الاستوديو بحجة فيروس كورونا التي تتحول قميص عثمان غب الطلب.
ويعرف ميقاتي أن العقد القاتلة التي تحول دون توازن العمل السياسي بين أهل المنظومة ليست وليدة “حرقوص وأبو حرقوص”، كما قال، وإنما وليدة المشروع الإقليمي الذي يقوده محور يتحكم بلبنان، وبكتلة نيابية وازنة أعطته صوتها.
ويعرف أن قراءة الوضع اللبناني من خلال القراءة الإقليمية هو الصحيح، ولا يقتصر الدواء للداء العضال الذي يفتك بلبنان واللبنانيين، على تأمين التيار الكهربائي وتثبيت سعر صرف الدولار، كما لم يكن بإعادة لبنان إلى الحياة بعد إتفاق الطائف. إذ تبث بالوجه الشرعي أن لا أمل في كيان من دون سيادة تسمح بإنتظام عمل المؤسسات ومحاربة الفاسدين بالاسم والشهرة والسجن واسترداد الأموال المنهوبة.
فقد أدت حماية مصادري السيادة للفاسدين المتواطئين إلى إنهيار كل ما بُنِيَ بعد الطائف. والأحوال ستصبح كارثية كلما ركب الطموح برأس حرقوص بعينه، فيلبط قدمه بالأرض مهدداً ومتوعداً بأنه إن لم يحصل على مراده، فلن يحصل غيره على أي شيء، كما أن لا أحد يستطيع حرقه، لأنه قادر على حرق هذا “الأحد”، وبأن عدم قدرته على الظهور في مكان عام هو نتيجة مؤامرة من فريق بعينه، محسوب عليه الرئيس المكلف، وليس بسبب مسؤوليته كما غيره عن نكباتنا المتلاحقة.
على الرئيس المكلف أن يعلم بأنه يتعامل مع حرقوص بسمنة مقابل حراقيص بزيت. لذا عمد من يتحكم بمسار البلاد إلى إصطفائه. خصوصيته أنه الأقدر على اللبط والحرد السياسي بالفطرة. وهذه الخصوصية هي عز الطلب للتطاول والقفز فوق الأصول الديموقراطية المرعية بالدستور وفرض “أبو حرقوص” الذي أسس “أكاديمية جهنم للتعطيل والتخريب والتنكيل بالشعب اللبناني”.
ولا يخفى على أحد أن ميقاتي سيدفع ثمن عبارة ” أنا وسعد الحريري واحد، لكن لي أدائي وصورتي. والسقف الذي وضعناه معاً كرؤساء حكومات سابقين هو سقف وطني لا شخصي للحفاظ على أداء دستوري كامل”.
فالمسألة تتناقض بـ”الكامل” مع العمل “للحفاظ على إداء دستوري كامل”. وهدفها من خلال “الحراقيص” على أشكالهم الإبقاء على الشعب في “الجورة” التي ختم الرئيس المكلف إطلالته التلفزيونية الأولى بالحديث عنها، طالباً “مهلة صغيرة للخروج منها”، وواعداً بالمحاسبة والعقاب لمجهولين بعد ذلك. ربما بعبارة “بنقصف عمرهم” أو “بنحرق نفسهم” أو شيء من هذا القبيل، لا بد تم شطبه من المحضر…
على كل حال… الله ولي التوفيق للرئيس المكلف في جمهورية “أبو حرقوص”…