أن يخرج الرئيس المكلف نجيب ميقاتي عن صمته وشحّ تسريبات محيطه حول ما آلت إليه محاولاته لتشكيل الحكومة العتيدة فهذا يعني أن ما اشتهر به بأنه يصبر وطويل النفس ولا يمانع في الأخذ والعطاء والتسويات ويهادن ويدوّر الزوايا، لم يعد نافعاً كثيراً في استيلاد الحكومة التي ما زال يصر على محاولة إنجازها بتشجيع خارجي ودعم داخلي.
فالرجل الذي يكثر من تنميق الكلام، مداورة ومناورة ومواربة ويكسرها ويجبرها، إلى ما هنالك من أوصاف نُعت بها للدلالة على أنه قادر على الاتفاق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يتمكن من التفرج والسكوت على سيل التسريبات التي طالته وتناولت عملية تشكيل الحكومة، فأصدر بيانه أمس الذي قال فيه إن “البعض مصر على تحويل عملية تشكيل الحكومة إلى بازار سياسي وإعلامي مفتوح على شتى التسريبات والأقاويل والأكاذيب، في محاولة واضحة لإبعاد تهمة التعطيل عنه…”.
فالتسريب بأنه وعد الرئيس عون بحقائب معينة ثم تراجع عنها، وبأن رؤساء الحكومات السابقين يفرضون عليه شروطاً، أو أنه يعطي عون حلاوة من طرف اللسان، ثم يتناغم مع بيانات نادي الرؤساء أو مع مصادره، ثم الحديث عن أن ميقاتي ينتظر وصول باخرة المازوت الإيراني كي تفرغ حمولتها وتُنقل إلى لبنان قبل ولادة الحكومة، وأن زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري يطالب الرئيس المكلف بحصته من الوزراء السنة وغيرهم، يبدو أن الأوساط المواكبة لجهد ميقاتي في تذليل العقد الحكومية تنسبها إلى أوساط الرئاسة وفريق عون و”التيار الوطني الحر”.
حتى ما سبق أن جرى تسريبه حول إجراءات أمنية اتخذت في القصر الرئاسي فرضت على ميقاتي أن ينتظر سيارته لتقله بعد اجتماعه الثالث عشر مع عون وعن اشتراط الأخير عليه التوقيع على تعهد بإطاحة خمسة رؤوس في الإدارة في طليعتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تنسبه المصادر المواكبة إلى أوساط الفريق الرئاسي، بهدف استفزاز ميقاتي وإظهاره بمظهر الضعيف، على طريقة إرسال الدراج لتسليم الحريري حين كان رئيساً مكلفاً، جدولاً بتوزيع الوزارات على الطوائف والأحزاب. والهدف إحراج ميقاتي لإخراجه.
تقول الرواية إن ميقاتي التقى قبل ساعات من خروج الخلاف بينه وبين عون إلى العلن الوسيط الذي دخل مجدداً على خط معالجة العقد، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وسلمه لائحة بأسماء عدة من المسيحيين المستقلين، يرشحهم لتولي حقائب محددة (الأرجح الاقتصاد والشؤون الاجتماعية وربما العدل) على أن يختار من بينهم عون إثنين، لضمان عدم حصوله وفريقه على الثلث المعطل في تركيبة الحكومة. فالفريق الرئاسي أصر على تسمية الوزيرين المسيحيين اللذين بقيا من الـ 12 وزيراً مسيحياً، بعد تسميته 6 وزراء مسيحيين زائد الحليف الأرمني والوزير الدرزي المحسوب على حليفه النائب طلال أرسلان من تكتله النيابي، فيما حصل “المردة” على وزيرين من المسيحيين والحزب السوري القومي الاجتماعي على وزير واحد.
رغم تكرار الرئاسة نفيها أمس بأن عون يريد الثلث الضامن، فإن إصراره على تسمية الوزيرين المسيحيين المتبقيين سيؤدي حكماً إلى حصوله على 8 + 2 ما يعني أن تصبح حصته أكثر من الثلث المعطل. حجة فريق عون أن الوزير الأرمني والوزير الدرزي الذي يسميه أرسلان ليسا من حصته. وفي الخلفية أن ميقاتي وسليمان فرنجية يسميان وزيرين للأخير من كسروان مصنفين من ألد خصوم فريقه…
لكن الرواية تضيف بأن رئيس الجمهورية استبق اتهامه بعرقلة التأليف فعاجل وفد الكونغرس الأميركي عند لقائه به أول من أمس بأن طمأنه بأن الحكومة سترى النور قبل نهاية الأسبوع، من أجل قطع الطريق على التهديد الأميركي السابق على الزيارة، بفرض عقوبات ستشترك فيها واشنطن مع أوروبا، على معرقلي الحكومة إذا لم تتشكل سريعاً. ما إن أدار وفد الكونغرس ظهره مغادراً جرت التهيئة لسيناريو الأمس.
القصة ليست “شماعة” الثلث المعطل لأن تعليق تأليف الحكومة على أهداف أبعد من لبنان، هي القصة، أولى دلالاتها اتصال رئيس “التيار الحر” جبران باسيل بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ثم في خطوات الانفتاح الوزاري لحكومة تصريف الأعمال على دمشق بحجة التنسيق لاستجرار الكهرباء من الأردن، والغاز من مصر عبر الأراضي السورية…والحبل على الجرار.
ترى عمن كان يتحدث بيان الرئاسة حين دعا إلى “التوقّف عن اعتماد لعبة التذاكي السياسي والخبث الموازي للدهاء؟”.