IMLebanon

مَن يُسقِط الآخر: ميقاتي أم الدولار؟

 

يقف الرئيس نجيب ميقاتي على حافة المنزلق. وما هي إلّا أيام حتى يبدأ الكلام الجدّي والحسم. فإذا تلقّى دعماً يبعده عن الخطر، ولو أمتاراً قليلة، تصبح أمامَه فرصةٌ للعيش، وللتعايش مع الأزمات حتى الانتخابات النيابية. ولكن إذا تلقّى دفعةً في الاتجاه الخطأ، فسيقوده القدَر إلى المصير الذي سبقه إليه حسّان دياب. فما هي فترة السماح المتاحة لميقاتي، أو كم ستستغرق المُدَّة المتاحة ليبدأ «الكلام الجدّي» حول حكومته وحسم مصيرها؟

بديهي أن يبدأ ميقاتي عمله الفعلي من باريس. فهي كانت وراء ولادة الحكومة، وتضع اليوم كل ثقلها في لبنان، وقدَّمت التنازلات على خط واشنطن- طهران لتسهيل التسوية. وفي العادة، يُعرف عن الفرنسيين أنّهم لا يطعنون أصدقاءهم في الظهر، وبالأخص، اللبنانيين الذين يعتبرون فرنسا «الأم الحنون».

 

يقال إنّ ميقاتي لطالما «شعَر بالغيرة» من الرئيس سعد الحريري بسبب مقدار الاحتضان الذي تحيطه به فرنسا. وطبعاً، هناك ظروف تاريخية جعلت الحريري الإبن يرث دعماً فرنسياً مطلقاً من والده الرئيس رفيق الحريري، انتقل تسلسلاً من جاك شيراك إلى إيمانويل ماكرون.

 

وحتى الأمس القريب جداً، بقي الحريري الإبن المدلَّل للفرنسيين في لبنان. وحتى عندما اقترحوا مصطفى أديب لرئاسة الحكومة، فكَّروا بتشكيلةٍ تمرُّ من خلال الحريري وتحظى برضاه. وسيحتاج ميقاتي إلى مقدارٍ وافٍ من الحنكة السياسية لاستجلاب هذا المستوى من التعاطف الفرنسي. ومبدئياً، لا تنقصه هذه الحنكة.

 

يدرك ميقاتي أنّ محك نجاحه أو فشله هو وقف الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي، وأنّ تحقيق ذلك مستحيل إلّا بالحصول على دولارات طازجة من الخارج، وتحديداً: أموال مؤتمر «سيدر» ومساعدات الخليجيين العرب والصناديق والمؤسسات المانحة، ولاسيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفرنسا هي المفتاح الذي يحتاج إليه ميقاتي للدخول في كل الاتجاهات.

 

إذا تلكأ الفرنسيون عن دعم ميقاتي لسبب ما، أو فشلوا، بقيت الأبواب كلها موصدة أمامه: «سيدر» والخليج والمؤسسات المانحة، أي الأميركيين ضمناً. ولكن، هل الفرنسيون أقوياء إلى هذه الدرجة في علاقاتهم مع القوى النافذة، وهل يملكون الأوراق لمقايضة هذه القوى من أجل الحصول على مساعدات للبنان؟

 

واضحٌ أنّ باريس استبقت زيارة ميقاتي لها بكلام جديد- قديم على الإصلاحات: «نريد أن نستمع منكم بشكل واضح. ما هي الإصلاحات التي ستعتمدونها، ولو بالخطوط العريضة، لنعرف كيف سنساعدكم؟».

 

يعني ذلك أنّ فرنسا، وعلى رغم التسهيلات التي قدّمتها للإيرانيين من أجل تسهيل تأليف الحكومة، ما زالت مجبرة على تقديم الحدّ الأدنى من الضمانات إلى الأميركيين والالتزامات إلى الخليجيين العرب الذين لم يقولوا بعد كلمة واضحة في ما يتعلق بالحكومة الجديدة. وهذا ما يقلق ميقاتي.

 

إذا عاد ميقاتي من باريس متأبطاً الشروط الفرنسية القديمة بالإصلاحات قبل المساعدات وقبل الوساطات مع الخليجيين والأميركيين والمؤسسات المانحة، فسيقع ميقاتي في الإحراج. فرئيس الحكومة ليس «إبن مبارح» في «كار» السياسة، وهو يدرك أنّ الإصلاح من رابع المستحيلات في لبنان، وحتى إشعار آخر. وهو سيبقى كذلك ما دامت التركيبة السياسية الحالية ممسكة بالسلطة.

 

وإذا كانت أقوى الضغوط والعقوبات الأميركية والخليجية التي مورست على مدى 4 سنوات مضت، وتخللتها أعنف انتفاضة شعبية، قد فشلت في التقدّم خطوة نحو الإصلاح، فكيف يمكن تحقيق ذلك في حكومة المساومات السياسية؟ وميقاتي نفسه هو أحد أركان النادي السياسي، وهو خبير في الخبايا.

 

 

سيعود ميقاتي من باريس وينكبّ على محاولة إنتاج خطة اقتصادية تُظهر فيها حكومته استعداداً للحدّ الأدنى من التجاوب مع شروط الإصلاح، لعلّ ذلك يعيد فتح أبواب الدعم الموصدة. لكنه سيصطدم بالعقبات إيّاها، أي بالموانع المعروفة. فالإصلاح يعني انكشاف المنظومة وسقوطها.

 

العارفون يقولون إنّ القوى السياسية التي تسيطر على الحكومة تريد من ميقاتي أن يؤدي المهمة إيّاها التي كانت تكلِّف الحريري بها، أي استخدام رصيده كرجل أعمال سُنّي منفتح، لتأمين الدعم العربي والدولي للمنظومة القائمة وأحزابها ومؤسساتها وأجهزتها. وطبعاً، ليس هناك استعداد لتقديم أي تنازل إصلاحي في المقابل، ولا حتى شكلاً.

 

ولذلك، على الأرجح، سيغرق أركان الحكم والحكومة والمنظومة السياسية في نقاشات جديدة- قديمة حول خطة الإنقاذ المالي والاقتصادي: هل يعوّمون مثلاً خطة دياب أم يخترعون خطة أخرى؟ ولمصلحة مَن ستكون؟ وكالمعتاد، سيرفض الجميع تقديم أي تنازل.

 

وفي هذه الحال، لن يجد الفرنسيون في أيديهم أي ورقة يستخدمونها لإقناع الأميركيين والخليجيين بفكّ الحصار. والمرجّح أن تظهير هذا الأمر لن يستغرق سوى أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر. وبعد ذلك، سيجد ميقاتي أنّ هامش المراوحة قد ضاق سريعاً، وأنّ عليه اتخاذ قرارات حازمة.

 

 

إذا ظهرت علامات الضعف على ميقاتي، ولم يحصل على الدعم العربي والدولي الذي يحتاج إليه في شكل طارئ، فأول خصمٍ سينقضّ على الحكومة ويأكلها هو الدولار الذي جرى إسقاطه اصطناعياً على مدى أيام، ولغايات معروفة. فمَن سيأكل الآخر، ومَن سيُسقط الآخر: ميقاتي أم الدولار؟

 

فرنسا هي المفتاح الذي يحتاج إليه ميقاتي للدخول في كل الاتجاهات