في معرض قراءتها للمشهد الحكومي غداة نيل الثقة من المجلس النيابي، اعتبرت أوساط نيابية بارزة ومعارضة، أن الدينامية التي انطلقت من خلال الحراك الذي يقوم به الرئيس نجيب ميقاتي، لا تبدو وكأنها تنعكس، ووفق الوتيرة نفسها، على حركة الفريق الوزاري الذي ينشغل في الفترة الحالية في استشراف واكتشاف الملفات المتراكمة منذ مرحلة تصريف الأعمال على طاولة مجلس الوزراء. وقالت هذه الأوساط، ان التحدّي الماثل أمام رئيس الحكومة منفرداً قد يكون أكبر من تحدّي مجلس الوزراء، وذلك بسبب عوامل عديدة أبرزها أن أجندة الحكومة الجديدة تحمل عناوين تتطلّب تواصلاً مباشراً مع المؤسّسات الدولية، وفي مقدّمها صندوق النقد الدولي، كما تتطلب حواراً مباشراً ما بين الحكومة وبشخص رئيسها مع المجتمع الدولي، والذي ستكون محطته الأولى باريس التي يزورها اليوم حيث يستقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك في سياق عرض كل مراحل ولادة الحكومة ومشاريعها المستقبلية والدعم الفرنسي اللافت للرئيس ميقاتي، والذي سوف تترجمه باريس في المرحلة المقبلة.
ومن ضمن هذا السياق، وضعت الأوساط النيابية نفسها هذه الزيارة، في مجال تقديم الشكر، وبطريقة مباشرة، من ميقاتي إلى الرئيس ماكرون، على مساهمته ودوره في مجمل المفاوضات التي سبقت ولادة هذه الحكومة، وبشكل خاص على مبادرته التي أطلقها من بيروت على أثر انفجار المرفأ في الرابع من آب. ومن هنا، فإن هذا العنوان ليس سوى المقدّمة لجولة المشاورات التي سوف يستهلّ بها الرئيس ميقاتي مشواره الحكومي من أجل تنفيذ بنود البيان الوزاري، وبالتالي، الالتزامات التي أعلنها على أكثر من مستوى.
وأوضحت الأوساط، أن مرحلة ما بعد نيل الثقة، لن تكون سهلة، بحسب الأوساط نفسها، والتي كشفت عن ضغوط تتعرّض لها الحكومة من أجل تطبيق التزاماتها، وتبدأ في الدرجة الأولى بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والذي يأتي مع حكومة ميقاتي مختلفاً عما كان عليه مع حكومة حسان دياب، وذلك في ظل التغييرات البارزة التي سُجّلت خلال العامين الماضيين، وتحديداً منذ قرار التخلّف عن دفع سندات اليوروبوند، من دون أي تفاهم أو مفاوضات مع الدائنين أو مع المؤسّسة الدولية. كذلك، أضافت الأوساط نفسها، أن حجم الصعوبات التي تنتظر الرئيس ميقاتي لا يستهان به، إذ انه دخل في سباق مع الوقت من أجل مواجهة الأزمات المتراكمة، وعلى رأسها أزمة الكهرباء، والتي تتطلّب معالجة جذرية من خلال خطة خاصة تؤمّن تحقيق ذلك بشكل سريع، ومن دون أي عوائق سياسية متصلة بالخلافات التي طبعت هذا الملف على مدى السنوات الماضية.
وبالتالي، وأمام كل التعقيدات الحاضرة والمشاريع المعدّة في الفترة الماضية، فإن مسار الحكومة، وكما أكدت الأوساط النيابية المعارضة ذاتها، مرهون بمستوى وحجم الخطة الإصلاحية التي سوف تعتمدها، والتي سوف تُبحث على طاولة مجلس الوزراء في الأسابيع المقبلة، وذلك، لأن أي دعم مفترض من باريس، أو من أي دولة أخرى، يضع عنوان الإصلاح كممرّ إلزامي لها، وذلك، بصرف النظر عن الفترة الزمنية القصيرة التي تملكها حكومة ميقاتي من أجل تنفيذ التزاماتها، وهذا قبل حلول موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل.