بعد مرور حوالى اسبوعين على تشكيل الحكومة الميقاتية، بدأ سوق الصرف مسيرة تصحيحية مُستمرة حتى اليوم، وطُويت صفحة الآمال بانخفاض كبير في سعر الدولار. وبعد فترة، قد تسقط الآمال المعلّقة على بدء تنفيذ خطة للإنقاذ برعاية صندوق النقد الدولي، وتحلّ محلها رهانات وتوقعات بأن تجري الانتخابات في موعدها، وتُحدث التغيير المأمول.
من الواضح انّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وعندما وافق على تولّي المسؤولية في هذه الظروف الاستثنائية، كان يراهن على ثلاثة عناوين رئيسية، يمكن أن تتحقّق:
اولاً- ان ينجح في تنظيم انتخابات نيابية نزيهة قدر الإمكان، وفي موعدها تلبية لرغبات اللبنانيين، ولإرادة المجتمع الدولي الذي يعوّل على هذه الانتخابات لإحداث تغيير في المشهد السياسي العام بنسب مقبولة.
ثانياً- ان يتمكن من وضع خطة انقاذ يتفق عليها مع صندوق النقد، وان يبدأ التحضيرات الداخلية لتنفيذ هذه الخطة بعد الانتخابات مباشرة، بحيث تكون كل الامور جاهزة ومُتفقاً عليها، ولا ينقصها سوى البدء في تنفيذ مندرجاتها.
ثالثاً- ان يحصل على مساعدات ظرفية سريعة تساعده في تمرير فترة تولّيه السلطة الممتدة لحوالى 8 أشهر. هذه المساعدات يُفترض ان تأتي من الدول الخليجية ودول أخرى صديقة، في مقدّمها فرنسا.
هذه العناوين الثلاثة إذا تحققت، يمكن القول انّ مسيرة الخروج من الأزمة قد بدأت فعلاً، وانّها ستأخذ الزخم والسرعة منتصف العام 2022، مع مجلس نيابي جديد، ومشهدية سياسية مختلفة بعض الشيء عن الواقع الحالي.
لكن الوقائع حتى الآن بدأت تبيّن انّ هذه العناوين الثلاثة، وإن بدت متواضعة ويمكن تحقيقها، لن تكون ميسّرة، وستصطدم بمعوقات لا يستهان بها.
إذا استثنينا عنوان تنظيم الانتخابات في موعدها، وهو موعد سياسي، واعتبرنا انّ الضغوطات الخارجية قد تكون كفيلة بضمان حصولها في ايار المقبل، يبقى عنوانان اقتصاديان ومعيشيان رئيسيان للمناقشة.
في موضوع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإنجاز خطة إنقاذ يرعاها الصندوق بعد الموافقة عليها، تبدو الامور أشدّ صعوبة، وقد لا تنفع الضغوطات الخارجية في تذليل الصعوبات التي تعترضها. ويُخطئ من يعتقد، انّ الخلاف الذي نشأ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على تكوين الوفد الرسمي المفاوض هو شكلي فقط، ويتعلق بمحاصصة وتوزيع النفوذ فحسب. هذا الخلاف، والذي انتهى الى نوع من التوازن من حيث الولاء، بين عون وميقاتي، يعني ببساطة انّ التوافق على خطة الإنقاذ سيكون معقّداً جداً. ذلك انّ الامر لا يتعلق برأي عون وميقاتي، المتناقض حيال بعض القضايا الرئيسية التي ستستند عليها الخطة ليتمّ التوافق عليها، بل يعني ايضاً انّ كل حلفاء عون وكل حلفاء ميقاتي، سيتصارعون بطريقة غير مباشرة في موضوع الخطة. هذا الواقع، لن يسهّل عملية الخروج بخطة واحدة، وقد يكون استعجال عون استقبال وفد شركة «لازارد» (Lazard) التي دار حول دورها السابق جدل خلافي كبير، هو أول الغيث، والبقية تأتي.
يبقى موضوع الحصول على مساعدات ظرفية سريعة هو الآخر، موضع شكوك كبيرة، والمؤشرات توحي الى أنّ لا مساعدات اكثر من المساعدات التي كان يحصل عليها اللبنانيون من منطلق إنساني فحسب. إذ انّ التعويل على تحسين العلاقات مع دول الخليج، بدءاً بالسعودية، بدأ يتلاشى. ومن سوء طالع ميقاتي، انّ صهاريج المازوت الإيراني استقبلت حكومته، وساهمت في إرسال اشارة اضافية الى من يعنيهم الامر، مفادها انّ الحكومة الجديدة مثل سابقاتها، لا تستطيع ان تحقق اي فرق في هذا الملف المرتبط بالصراع الاقليمي.
وعليه، وبعد أقل من شهر على ولادة الحكومة الميقاتية، يمكن الاستنتاج، مع هامش خطأ مشروع، انّ المساعدات ذات الطابع الانساني سوف تستمر، من دون الجزم حتى الآن، إذا ما كانت هناك جهات مانحة قد تغيّر في نمط تقديم المساعدات، بمعنى اعتماد الحكومة بدلاً من جمعيات المجتمع المدني. ذلك انّ الكثيرين من المانحين، يعتبرون انّ الفساد هو هو، لأنّ المشكلة لم تكن يوماً بتغيير الوجوه والاسماء، بل بقدرة «المنظومة» السياسية على التحكّم بمن يجلس على المقاعد الوزارية، وهذه القدرة لا تزال هي هي، كما كانت في حكومة حسان دياب. كذلك، فإنّ الرهان على إنجاز اتفاق مع صندوق النقد على خطة متوافق عليها، ولو لم يبدأ التنفيذ الفعلي سوى بعد الانتخابات، هذا العنوان يبدو صعباً، وستُظهر التطورات في الايام المقبلة، الاتجاه الذي سيسلكه.
وبالتالي، قد يصبح العنوان الوحيد القابل للتنفيذ، هو إجراء الانتخابات في موعدها. وبالانتظار، لا يمكن توقّع تغييرات ولو بسيطة في الوضعين الاقتصادي والمعيشي، ولا حتى في سوق سعر الصرف. انّها مرحلة تمرير الوقت، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات النيابية اولاً، والوضع الاقليمي ثانياً، ومن ثم لكل حادث حديث.