IMLebanon

هل ما زال ميقاتي لـ «المراحل الانتـــقالية»؟

 

 

تتجّه الانظار الى الاستشارات النيابية الملزمة الإثنين المقبل، لتقدير حجم الانفراج المقدّر على مستوى تشكيل الحكومة. فإن حُلّت بعض العِقَد الشكلية فإنّ التكليف سيكون مضموناً، وان كانت حظوظ الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي متقدّمة فإنّ الحديث عن التأليف له مقومات أخرى، وسط أجواء توحي أنّ العهد سيترحّم على المرحلة التي دفع فيها الرئيس سعد الحريري الى الاعتذار. فكيف ولماذا؟

عندما غرّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ثلاثة ايام على حسابه الخاص على «تويتر»، مؤكّداً انّ «الاستشارات النيابية ستجري في موعدها حسماً لأي اجتهاد أو ايحاء، وأي طلب محتمل لتأجيلها يجب أن يكون مبرّراً ومعللاً»، لم يفهم كثر الظروف التي دفعته الى تسجيل هذا الموقف، وخصوصاً انّه لم يكن هناك ما يوحي أنّ هناك خطباً ما او حدثاً ما، يهدّد الموعد. فالتجربة السابقة التي شهدتها البلاد لتأجيل الاستشارات، كما جرى في مطلع الخريف الماضي، عندما كانت ستقود الى تسمية الرئيس سعد الحريري، قد تبدّلت، وانسحب الحريري من المشهد الحكومي كمكلّف، لينتقل إلى لعب دور «صانع الرئيس». فما تعرّض له الرجل في الداخل والخارج قد يكون نقله الى موقع افضل مما كان يطمح اليه، في ظل ما تبقّى من سنوات العهد.

 

ولذلك، بقي البحث جارياً عن الأسباب التي دفعت عون الى تأكيداته هذه، انطلاقاً من المخاوف الجدّية من انهيار الاتصالات الجارية على أكثر من مستوى لإمرار موعد التكليف بأقل الخسائر الممكنة، وما يمكن ان يؤدي اليه الخلاف حول تشخيص بعض أركان السلطة لصورة الرئيس المنتظر وسيرته السياسية التي باتت رهناً بما يمكن ان تعكسه التجربة التي عاشها رئيس الجمهورية وفريقه مع الحريري والعِبَر المستقاة منها على أكثر من مستوى داخلي وخارجي، عدا عن التطورات التي دفعت البلاد الى الانهيارات المتتالية في ظل فقدان حكومة فاعلة، بعد ان اعتمدت حكومة «مواجهة التحدّيات» مبدأ تصريف الاعمال بأدنى ما هو مسموح به، والخلافات التي بلغت الذروة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وفريقهما الحزبي.

 

فالخلاف الذي ظهر حول شكل ومضمون تشكيلتي الحريري بالصيغتين الضيّقة والموسعّة، وكل ما رافق عملية التأليف التي امتدت على مدى 9 أشهر من مواقف متشنجة مسّت بالموقعين الدستوريين، لم ولن تمّحى بالسرعة التي يتمناها البعض في ما تبقّى من عمر العهد، وهو أمر سينسحب على المهمة الجديدة للرئيس المكلّف، اياً كانت هويته وإلى اي نادٍ انتمى. فكل ما شهدته تلك المرحلة ما زال مطروحاً، ومنها ما أُدرج تحت عنوان التفسيرات الدستورية وحجم صلاحيات الطرفين، طالما انّ الاعتذار قد حصل قبل ان تتوحّد القراءات من حولها.

 

وعليه، فإنّ بعضاً مما رافق تلك المرحلة سيلقي بثقله على استحقاق التسمية، وخصوصاً إن اختير عضو نادي رؤساء الحكومات نجيب ميقاتي للمهمة. وان راهن البعض على التدخّلات الخارجية، فإنّ مراقبين كثراً يفضلون التوقف عند المعادلات الداخلية التي عاكست الضغوط الخارجية وتوجّهاتها، التي دعت الى تنازلات متقابلة، ليصل طرفا النزاع الى محطة وسطية. فالجميع يدرك انّ المنظومة السياسية نجحت في تطويع الحراك الدولي، وطالما انّها لم تأتِ به إلى جانبها، فإنّها تمكنت من تمييعه، وهو ما لقيته المبادرة الفرنسية من تفكيك مبرمج لمختلف مندرجاتها وما قالت به خريطة الطريق التي رسمتها منذ ان عطلت المواقف إمكان تشكيل «حكومة المهمة» وأضاعت كثيراً من الفرص التي كان يمكن تنفيذها، لكانت البلاد اليوم في مكان آخر وفي وضع أقرب إلى امكان التعافي والإنقاذ، من مسلسل الأزمات التي تناسلت حتى شملت مقومات الحياة اليومية بما يهدّد ديمومة العيش والحركة الطبيعية في البلاد.

 

وإن صدقت السيناريوهات التي تتحدث عن الفصل الواجب بين مرحلتي التكليف والتأليف، فإنّ ما هو متوقع لا يوحي بكثير من الارتياح. فالحل الموعود ما زال بعيداً، وإن غرق اللبنانيون في حروبهم الصغيرة، لن ينجحوا في ترجمة اي تفاهم على اسم الرئيس المكلّف الى واقع حكومي جديد لأكثر من سبب، واولها استمرار البعض في إنكار حجم المأساة اللبنانية وتداعياتها الخطيرة والبعيدة المدى على مصير الدولة والكيان. فاستمروا في غيّهم بمزيد من الشروط لتشكيل حكومة جديدة، فيما البلاد تنزلق يوماً بعد يوم الى حال لم تشهدها اي دولة في العالم.

 

وانطلاقاً مما سبق، لا يمكن مقاربة الحديث عن إمكان التوافق على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مهمة التأليف من دون النظر الى هذه المعطيات كافة. وإن صحّت الروايات حول شروط رئيس الجمهورية وبعض القوى الاخرى، فإنّ ميقاتي قد لا يقبل المهمّة. وسيسوء الوضع اكثر، إن رغب الفريق الحاكم في أن يكون التكليف مباركاً من الحريري وزملائه رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى، وستكون المهمّة أصعب بكثير. فميقاتي لا يختلف في ثوابته عمّا أراده الحريري، وسيكون مجبراً على التعاطي مع رئيس الجمهورية والعهد بالثوابت عينها، وإن كانت مقاربته مختلفة عن الحريري فإنّ كل الجداول تصبّ في مجرى النهر الكبير نفسه، ولا يمكن استغلاله او التلاعب بمجراه على الاطلاق.

 

وعلى هذه الخلفيات، يخشى المراقبون الغارقون في تفاصيل مفاوضات الأيام الأخيرة الفاصلة عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة، من الشروط المتبادلة التي توحي أنّ الأمور قد حُسمت. فإلى التهديد الذي ما زال قائماً بمقاطعة «القوات اللبنانية» عملية التأليف، وربما باتت مثل هذه الخطوة مشتركة قد يتخذها «التيار الوطني الحر» ايضاً، لنزع الثقة المسيحية عن الحكومة الجديدة والتي تحولت تهمة لحكومة الحريري التي لم ترَ النور من قبل. والى هذا الإحتمال المحكي عنه في صالونات ضيّقة، فإنّ هؤلاء المراقبين يرهنون التفاهم النهائي على ميقاتي بما يمكن ان يكون عليه موقف الثنائي الشيعي الحاسم، ان كان موحّداً تجاه الخطوة، عدا عن لجوء «التيار الوطني الحر» الى صيغ ومعادلات اختبرها في الأشهر الماضية مع الحريري وادّت الى انهاء مهمته في الشكل الذي انتهت اليه. هذا عدا عن «المزحة الثقيلة» من أنّ هناك اتجاهاً لدى التيار الى تسمية القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة، وهو ما زال ملتزماً بمقتضيات «تفاهم مار مخايل». وإن أوحت هذه المعادلة أنّ سيل الشروط المعيقة للتأليف ما زالت مستمرة، فإنّ الاتجاه ينحو الى اعتبار اي خطوة من هذا النوع يلجأ اليها التيار، تعني انّه قرّر حرق المراكب المؤدية الى الاستقرار. فالمتغيّرات الكبيرة في المنطقة لا تسمح بـ «الألاعيب الصبيانية».

 

وختاماً، لا يتردّد المراقبون في التأكيد على انّه وإن كانت مواصفات ميقاتي ومؤهلاته تسمح له بإدارة المراحل الإنتقالية التي نجح في ممارستها عندما رأس حكومة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي نظمت انتخابات العام 2005، فإنّ تلك المواصفات لم تعد صالحة لاستنساخها اليوم. فميقاتي في العام 2005 هو غيره في العام 2021 بالتأكيد، وانّ الايام المقبلة ستثبت ذلك.

 

هل يسمح الوقت بتطبيق معادلات وقواعد تمّت تجربتها مع الحريري لتُستنسخ مع ميقاتي او غيره؟