كنت مُصِرّاً على استقالة الزميل والأخ الاستاذ جورج قرداحي. نُقدّر لك هذا الموقف… ولكن… هل تظن أنّ استقالة الوزير قرداحي كانت كافية؟ أم أنّ هناك أسباباً أخرى أوصلت العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية الى هذا الدرك؟
إنّ البيان الذي صدر عن القمة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان ركّز على ثلاث مسائل:
أولاً: الإلتزام باتفاق الطائف، المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.
ثانياً: دور الجيش اللبناني في بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وأن لا سلاح في لبنان سوى سلاح هذا الجيش.
ثالثاً: قرارات مجلس الأمن الدولي لا سيما 1559 و1701 و1702 يجب أن تطبّق بالكامل.
هذا البيان الذي صدر، كان كامل الوضوح، وليس هناك أي مجال لأي تفسير… فالسؤال المطروح اليوم: هل تستطيع الحكومة اللبنانية التي تترأسها حضرتكم، أن تنفّذ ما جاء في البيان؟
السؤال الثاني: ما رأي فخامة رئيس الجمهورية بشعار: «الجيش والمقاومة والشعب»؟
يبدو أنّ دولة الرئيس يظنّ أنه كما وعد أهل طرابلس منذ عشر سنوات بتأمين الكهرباء لمدينة طرابلس، وأن يكون هناك بنك للفقراء.
بالنسبة للكهرباء نكتفي بالرد: «على الوعد يا كمّون»، بمعنى آخر أنّ دولته من كثرة مشاكله وأعماله ووعوده، نسي هذا الوعد. والانسان مبني على النسيان.. فلا يُلام الرجل إذا نسي.
أما بالنسبة للبنك… فإنّ دولته لا يزال يبحث عن مدير لهذا البنك، ولن يجد في الدولة اللبنانية واحداً ليقود هذا البنك… هو يريد فالنية موجودة، والشعب يريد ولكنّ البخل لا يريد.
أما بالنسبة للقرارات الدولية… فقد جاء في البيان الصادر حديث عن الـ1559 و1701 و1680.
بالنسبة لـ1559، فإنّ فخامة الرئيس ميشال عون عندما كان لاجئاً في باريس.. سافر الى الولايات المتحدة ودخل الى الجمعية العامة للأمم المتحدة وطالب بخروج جميع القوات المسلحة غير اللبنانية من لبنان. وهنا كان يعني بالضبط، سلاح الجيش السوري وسلاح المقاومة. وللتذكير أيضاً أنه قبل صدور القرار 1559 جاءت السفيرة اللبنانية أمل مدللي الى سردينيا واجتمعت بشهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري، وأخبرته بأنّ هناك قراراً سيصدر عن الأمم المتحدة ونعني 1559. وكان الشهيد يومذاك يعاني من آلام بسبب كسر بيده. وبالرغم من ذلك استقل طائرته وتوجّه الى دمشق، حيث قابل الرئيس بشار الأسد وأطلعه على ما يجري في الأمم المتحدة.
وللأسف حمّل الرئيس الأسد مسؤولية هذا القرار للرئيس الحريري قائلاً له: «أنت وجماعتك هم الذين دعوا الى هذا القرار»، ويعني الوزير مروان حماده والوزير غسان سلامة.
بعد اللقاء عاد الرئيس الحريري ليقابل الرئيس الفرنسي يومذاك جاك شيراك طالباً مساعدته على تخفيف هذا القرار أقله: ألا يكون هذا القرار تحت البند السابع. وفعلاً تحدث الرئيس شيراك مع الرئيس الاميركي وأقنعه بأن لا يكون القرار تحت البند السابع… وهذا ما حصل ولإنعاش الذاكرة أيضاً، عندما صدر القرار المذكور عام 2004 كان التصريح الأول لوزير خارجية سوريا فاروق الشرع، ان هناك آلافاً من القرارات الدولية صدرت بحق إسرائيل ولم تنفذها.. وهكذا فنحن لن ننفذ هذا القرار.
يومذاك دعم هذا الموقف السوري وئام وهاب قائلاً: «على صبّاطي القرارات الدولية».
بعد مُضيّ ثلاثة أشهر على هذا القرار، عاد وزير الخارجية السوري وصرّح قائلاً: «دخلنا الى لبنان بناء لطلب من الحكومة اللبنانية… ونحن على استعداد للخروج عندما تطلب منا الحكومة اللبنانية ذلك».
وفي 14 شباط 2005 اغتيل شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري، فصدر قرار عن مجلس الأمن يدعو الى تأكيد الـ1559 تحت البند السابع… وفي نيسان خرجت القوات السورية وللأسف… بطريقة مُهينة. ويكفي صوَر الشاحنات السورية ووجوه الجنود السوريين وهم يخرجون مذعورين.
أما بالنسبة للقرار 1701 والذي صدر بعد عملية خطف جنديين إسرائيليين قام بها «حزب الله»… فإنّ هذا القرار صدر بعد رجاءٍ من الحزب بأن يتدخل رئيس الحكومة يومذاك فؤاد السنيورة، لأنّ الحزب صار على مشارف «الانتهاء»… وهذا ما تمّ بالفعل… وبتدخل من الرئيس السنيورة… جاء القرار مخففاً نوعاً ما… لكن ما حصل بعد ذلك أثبت أنّ الحزب قد أنكر فضل السنيورة، واعتبر نهاية «الحرب» نصراً إلهياً رغم أنّ هذه الحرب كلفت أكثر من 5000 شهيد من الجيش والمقاومة والشعب وخسائر مادية تقدّر بـ15 ملياراً.
وهنا لا بد من التساؤل في نهاية حديثنا عمّا إذا كانت الدولة اللبنانية، وعمّا إذا كان الرئيس نجيب ميقاتي نفسه، قادراً على تنفيذ مضمون بيان قمة ماكرون وابن سلمان…