بات في حكم المؤكد أن الأمور متّجهة إلى متغيّرات سياسية داخلية، ربطاً بالأجواء التي حصلت في الآونة الأخيرة من قرار المجلس الدستوري، ومن ثم الملف القضائي حول تفجير المرفأ، وما سترسو عليه الأمور بالنسبة لعودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، في حين تكشف مصادر متابعة أن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون للحوار لن تلقى أي اصداء، اذ يعتبرها البعض محاولةً لتعويم العهد في ما تبقّى له من أشهر معدودة، ولهذه الغاية ثمة حسم بأنه ليس هناك أي جلسات حوارية جديدة في قصر بعبدا، وترى أن الحكومة ستكون في حكم تصريف الأعمال ودورها بات يقتصر على إجراء الإنتخابات، هذا في حال لم يستقل رئيسها نجيب ميقاتي، لأنه بات محشوراً في الأزمة مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، ويدرك أنه من الصعوبة بمكان الإلتزام بإعلان جدّة، ولهذه الغاية، يدرس وفق المطّلعين على خياراته السياسية والإنتخابية، وكيفية تعاطي المجتمع الدولي معه ومع الوضع اللبناني بشكل عام، وتحديداً العاصمة الفرنسية، التي قد تكون الجهة السياسية الداعمة له، ودون ذلك، ثمة صعوبات أن يستحصل على أي دعم خارجي، لا بل ن ما يُنقل عن الفرنسيين أنهم لن يساعدوا لبنان من خلال أي مؤتمر للدول المانحة، أو تسييل أموال «سيدر» التي هي بالمحصلة أموال من الدول المانحة، وخصوصاً الخليجية، بحيث يقتصر دور باريس على الدعم الإنساني والصحي والتربوي، وبالتالي، ثمة تنسيق بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركيين والخليجيين.
لذلك، فإن ميقاتي يدرك هذه المسائل، وعطفاً على هذه الأجواء يدرس كل ما يحيط بالوضع اللبناني بصلة، إضافة إلى موقعه ضمن بيئته الحاضنة وعلاقاته مع السعودية والخليج، وعندئذ يُبنى على الشيء مقتضاه لما سيتّخذه من خطوات إن على صعيد الإستقالة، أو لجهة تمرير المرحلة من خلال الإجتماعات الوزارية المصغّرة وجولاته الخليجية المرتقبة، إذ انه سيغادر إلى لندن، وقد يلتقي ببعض المسؤولين البريطانيين، وربما يتوجّه إلى دول أخرى بعد عطلة الأعياد، ولا سيما إلى تركيا وباريس ليبحث مع المسؤولين الفرنسيين ما جرى من إعلان جدة إلى المرحلة الراهنة، باعتبار أنه على تنسيق دائم معهم.
وفي غضون ذلك، يتوقع أن يشهد الأسبوعان المقبلان من السنة الجديدة محطات أساسية، أولها أن ثمة من يترقّب من كبار المسؤولين في البلد بعض الإشارات الدولية والإقليمية ليبني قراءته على هذا الأساس، خصوصاً لمدى جدّية المجتمع الدولي في إجراء الإنتخابات في موعدها المحدّد، وثانيها يتمثل بعودة الحكومة إلى عقد جلساتها أو عدمه، وعندئذٍ من الطبيعي، وحتى الفترة الفاصلة عن موعد الإنتخابات النيابية، فإن الحكومة ستتحول حكماً إلى حكومة إنتخابات ومتابعة هذا الإستحقاق مع تصريف أعمال الوزارات بما هو متاح من إمكانات، إذا استمرت الحكومة حتى نهاية العهد الحالي. أما ثالثها، فهو مرتبط بالإستحقاق الرئاسي، بحيث ثمة حراك بدأ يحصل اليوم مع الدول المعنية بالشأن اللبناني، ربطاً باتصالات على المستوى الداخلي، إن من خلال بكركي أو بعض الكتل النيابية الأساسية، وعندئذ، وفي حال تبيّن أن هناك توجّهات لأي فراغ مرتقب أو غياب الحسم الدولي لحصول الإستحقاق النيابي في موعده، عندئذٍ فإن البلد ذاهب إلى الفراغ الرئاسي، وذلك، ما سيؤدي إلى تأجيل الإنتخابات النيابية، باعتبار أن البعض يرغب في تأجيلها ليكون ذلك مدخلاً للفراغ الرئاسي، وكل ذلك، في حال لم تكن هناك أي ضغوطات دولية جدية لإجراء الإستحقاقات في مواعيدها، لأن بعض المرجعيات الرئاسية تعتقد أن هذه الضغوطات والحسم الدولي غير جديين، وهذا ما يلمسه حتى الآن داعياً إلى ترقّب المفاوضات النووية الأميركية ـ الإيرانية في فيينا، بعدما قيل أن هناك خطوات ستظهر خلال الأشهر المقبلة بمعنى عدم تبلور الإستحقاقات الدستورية في لبنان من النيابية إلى الرئاسية قبل معرفة ما سيكون عليه وضع المنطقة من العراق إلى سوريا وفلسطين.