IMLebanon

ميقاتي أوصَل الرسالة الى «الثنائي الشيعي»

 

 

مَهّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لقراره دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، بإعلان ذلك من القصر الجمهوري في بعبدا الأسبوع الفائت، ولم يعتمد أسلوب «رَمي هذه الخطوة» في وجه «الثنائي الشيعي» بالدعوة من خلال طريقة مفاجئة بلا تحضير، على رغم كلّ التعنت الذي يواجهه من حركة «أمل» و»حزب الله» بإصرارهما على حلّ الأسباب التي أدّت الى رفض مشاركة وزراء الفريقين في أي جلسة لمجلس الوزراء قبل أي جلسة، ألا وهي الاعتراض على عمل المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. لكن حتى الآن، لا تعديل في موقف «الثنائي» ولا موافقة على المشاركة في جلسة لدرس الموازنة، وفي الوقت نفسه ما زال ميقاتي على موقفه بأنّه فور تسلُّمه الموازنة سيدعو المجلس الى الانعقاد.

قال ميقاتي بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في الخامس من الجاري، إنّ «الموازنة العامة لعام 2022 باتت جاهزة، وسيتسلّمها خلال اليومين المقبلين، وفور حصول هذا الامر يصبح من الضروري التئام مجلس الوزراء لإقرارها، وهو شرط أساس بالنسبة الى صندوق النقد الدولي ولكلّ المواضيع الاصلاحية التي نعمل عليها». وأعلن أنّه سيدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد عند استلام الموازنة للنظر فيها، كونها المسألة الأهم في الوقت الراهن، ومن ثمّ إرسالها الى مجلس النواب».

هذان اليومان مرّا من دون أن يتسلّم ميقاتي الموازنة ومن دون أن يدعو الى جلسة. لكن قصد ميقاتي كان أنّ الموازنة ستصبح بحوزته خلال «فترة زمنية قصيرة»، بحسب مصادر قريبة منه، وربط انعقاد مجلس الوزراء بالموازنة لأنّ هذا استحقاق دستوري يجب التعاطي معه بطريقة سريعة وجدية، إذ إنّ كلّ تفاصيل الانفاق على مستوى القطاع العام مرتبط بالموازنة ولا يُمكن أن نعود الى الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية. وانطلاقاً من هذا الارتباط، يصرّ ميقاتي على ضرورة إمرار الموازنة. أمّا توقيت تسلُّم ميقاتي لمشروعها فهو لدى وزير المال يوسف الخليل (أحد الوزراء الشيعة الذين يرفضون المشاركة في جلسة لمجلس الوزراء)، ويبدو أنّه فيما كان يُتوقّع جهوزية هذه الموازنة في فترة زمنية قصيرة، الّا أنّ الانتشار الواسع لفيروس «كورونا» عطّل عمل بعض الموظفين الأساسيين على إنهائها على المستوى اللوجستي. وبالتالي، إنّ الموضوع قائم، أي العمل على إنهاء الموازنة ونية ميقاتي دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد فور تسلُّمها، وإن كانت أمور لوجستية قد أخّرت هذا الأمر، بحسب المصادر نفسها.

أمّا إذا كان جدول أعمال الجلسة التي ينوي ميقاتي الدعوة إليها سينحصر بالموازنة كبند وحيد تمهيداً لموافقة «الثنائي الشيعي» على المشاركة فيها، فهذا أمر غير محسوم، وجدول الاعمال متروك الى حين يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء الى الانعقاد. وفيما جرى الأسبوع المنصرم تداول إجراء «تسوية» سياسية جديدة بين عون وميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، تقضي بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب وتوقيع عون قرارات واجتماع الحكومة لدرس الموازنة وإقرارها، بَيّن مسار الأمور أنّ هذه التسوية لم تُلد أو أنّها أُجهضت كسابقاتها، فـ»حزب الله» يؤكد أنّه ليس في أجواء أي تسوية ولا حتى كان في صورة إعلان ميقاتي الدعوة الى مجلس الوزراء، وهو لا يزال على موقفه لجهة ربط أي جلسة لمجلس الوزراء بحلّ «قصة البيطار»، ويجزم «الحزب» أنّ أي قرار منسّق مع بري وهو واحد، ولا يُمكن رئيس مجلس النواب أن يدخل في أي تسوية أو اتفاق مع أي طرف من دون التوافق مع «الحزب» على ذلك، وهذا ما لم ولن يحصل.

وفي حين بات موقف «الثنائي»، لا سيما منه «الحزب»، معلوماً ولم يتبدّل حتى اللحظة، لا يزال ميقاتي يراهن على تبدُّله الى حين تسلّمه الموازنة ودعوته الى انعقاد مجلس الوزراء. ويعتبر ميقاتي أنّه أوصَل الرسالة الى «الثنائي الشيعي»، وهو لأنّه يعرف حقيقة الوضع وموقف «الثنائي» تريّثَ منذ آخر جلسة للمجلس في 12 تشرين الثاني الماضي، قبل أن يدعو الى انعقاد المجلس من دون تأمين توافق مع الجميع، ولم يعمد الى تحدّي «الحزب»، وهو متمسّك بصيغة الجمع وبوَسطيّته، ولا يستطيع أن يكون بتركيبته وتاريخه ومنهجيته السياسية إلاّ صيغة جمع لجميع اللبنانيين خصوصاً في هذه المرحلة التي تُعتبر مفصلية، بحسب المصادر القريبة منه. ولا يزال رئيس الحكومة يعتبر، استراتيجياً وعلى كلّ المستويات، أنّ جمع اللبنانيين أفضل من أي صيغة أخرى الآن، وتريّث لأكثر من شهرين في الدعوة الى جلسة، لكن الآن هناك استحقاق دستوري يتمثّل بالموازنة، وهدفه إمرارها لا تحدّي أي طرف.

وانطلاقاً من أنّ رئيس الحكومة انتظر لنحو ثلاثة أشهر، في رسالة طمأنة لجميع الأفرقاء بأنّ الحكومة للجميع وأنّه يريد لها أن تكون صيغة وطنية، يعوّل على معرفة جميع الأفرقاء بنيته وهدفه والتجاوب مع دعوته، إذ إنّ هدفه الأساس إمرار هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة على المستوى اللبناني، نتيجة المشكلات التي يعيشها البلد والنزاعات الإقليمية التي تنعكس على الساحة الداخلية والشد الداخلي الذي هو مرآة لهذه النزاعات. هو يقرأ كلّ هذه المعطيات، بحسب المصادر إيّاها، إلّا أنّ هناك مسألة دستورية تلزمه بعملية الدعوة الى جلسة لإقرارها سريعاً. وتكفي الرسالة التي أوصلها على مدى أكثر من شهرين، بعدم دعوته المجلس الى الانعقاد، مطمئناً جميع الأفرقاء «أنّنا للجميع ونحتاج الى الجميع الآن».

 

أمّا في حال عدم تجاوب «الثنائي الشيعي» مع دعوة ميقاتي، وعدم مشاركة الوزراء الشيعة في الجلسة، فـ»لكلّ حادثٍ حديث»، فور الدعوة وتبيان من سيشارك. وفي غضون ذلك تجري اتصالات سياسية لتأمين مشاركة الجميع في الجلسة، ومن بينها التواصل مع جميع الافرقاء في إطار دعوة عون الى حوار، إضافةً الى سلسلة اتصالات أخرى ينتظر ميقاتي الى ما ستُفضي ليبني على أساسها المقتضى. هذا مع دخول فرنسي على الخط الحكومي، بحيث أكدت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو خلال لقائها عون، أمس، «ضرورة عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد وأهمية تقدُّم المفاوضات المالية والاقتصادية لما فيه مصلحة لبنان، إضافةً الى وجوب استمرار التحضيرات لإجراء الانتخابات النيابية في أجواء سليمة».

وفي حين يبث البعض أجواء بأنّ طاولة الحوار التي يدعو إليها عون هدفها الحلول مكان مجلس الوزراء المُعطّل، توضح مصادر ميقاتي أنّ طاولة الحوار لا يمكن أن تحلّ مكان مجلس الوزراء، فهي لمقاربة مواضيع محددة، فيما أنّ مجلس الوزراء لخدمة الناس وتفاصيل يومياتهم والامور المعيشية وقراراته لها صفة قانونية ودستورية. وعلى رغم «المقاطعة السنية» لمؤتمر الحوار الذي دعا إليه عون، سيشارك ميقاتي شخصياً في هذا الحوار، إنطلاقاً من أنّه يعتبر أنّ صيغة الحوار في ظلّ التنوع اللبناني حاجة. ويؤثر رئيس الحكومة عدم الدخول في أي سجالات على المستوى السني أو الوطني، متمسكاً بصيغة «الوسطية»، الأفضل والأنسب بالنسبة إليه والتي تتلاءم مع مقتضيات المرحلة.