إستغرب رئيس حكومة “معاً للإنقاذ” نجيب ميقاتي ما تردّد بأن قرار عودة الوزراء الشيعة لحضور جلسات مجلس الوزراء، بعد البيان المباغت للثنائي الجميل “أمل” و”حزبُ الله”، جاء بناء لإيحاءٍ خارجي وقال لصحيفة “الشرق الأوسط” بأن قرارهما “ينمّ عن إحساسهما بأوجاع اللبنانيين وتجاوباً مع الدعوات التي تطالب بالالتفات إلى مطالبهم واحتياجاتهم، لإخراجهم من الوضع المأزوم اقتصادياً ومالياً لأن لا طائفة لعوزهم بعدما أخذ الجوع يدق أبوابهم، وعلينا جميعاً أن نتحمل مسؤولياتنا لإنقاذ بلدنا، وهذا ما حصل”.
يا لطيبة قلب رئيس الحكومة ورقته. “أرقّ من طبع النسيم” و”أنقى من الفجر الضحوك” بالفعل. ويا لهشاشة قلبي ملكي الإحساس، يخفقان ألماً لألم الناس. فما إن تناهى إلى مسامع “المرشد الأعلى” و”الإستيذ” وجود وضع إجتماعي ضاغط في لبنان، وفقر و”شحار” حتى فاضت أحاسيسهما كنهر الغدير. في الرجلين شيء من جان فالجان ومن أبطال دوستويفسكي. ويُظنّ أنهما استذكرا في لحظة وجدانية الفيلم الوثائقي “أرض بلا خبز” للمخرج الإسباني لويس بانويل. فطلعا ببيان العودة إلى الأصول.
لا طائفة لعوز اللبنانيين كما أسلف كبير الوزراء، كما أن لا طائفة للوزراء الشيعة الخمسة المقاطعين، ولا طائفة لوليّ أمرهم. طائفتهم لبنان. عاش الكذب ولبنان.
وفي معرض الكذب المهذّب، قيل إن “الثنائي” لم يفرض على رئيس مجلس الوزراء جدول أعمال محدداً للجلسات المقبلة. فجدول الأعمال بحسب المادة 4 من الدستور مناط برئيس مجلس الوزراء “على أن يطّلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي تتضمنها (الجلسة) وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث. جلّ ما في الأمر، أن رئيس الحكومة اجتمع إلى المعاون أول الحاج حسين خليل وإلى المؤهل، الفار من وجه البيطار، علي حسن خليل، وقرأ أفكارهما ووجد تطابقاً تاماً بين ما يتوقعانه من جلسات مجلس الوزراء وما يخطط له رئيس مجلس الوزراء، أي وضع بندين على الجدول: مشروع الموازنة وخطة التعافي. ونقطة على السطر.
وإذا كانت المادة 5 من دستور الجمهورية اللبنانية تنص على أن “لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء عرض الامور الطارئة التي تطرأ بعد وضع جدول الاعمال من خارج الجدول”، فالرئيس ميقاتي يجزم، بأن لا طارئ سيطرأ على الشعب “المطروق”. فما إن تُنجز موازنة العام 2022 وتُحال إلى “سيّد نفسه”، وما إن تقرّ خطة التعافي في صيغتها النهائية، حتى يستأنف خماسي الوتر العزف على لحن المقاطعة والتعطيل.