لا تزال التطوّرات الأمنية جنوباً ترخي بظلالها على الواقع السياسي الداخلي، وعلى العناوين المطروحة كافة، وفي مقدّمها العنوان الحكومي، وذلك انطلاقاً من التوجّه نحو تركيز كل الجهود السياسية لفتح صفحة جديدة من العلاقات ما بين الأطراف العاملة على خط تشكيل الحكومة، وذلك، في ضوء المتابعة الخارجية الدقيقة لعملية التشكيل هذه، وهو ما تؤكده مصادر ديبلوماسية مواكبة للحراك الفرنسي على خط دعم ومساعدة لبنان على الأصعدة كافة.
ومن ضمن هذا السياق، تتوقّع المصادر الديبلوماسية، أن يزداد التصميم لدى الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، على التمسّك بكل الثوابت المعلنة في إطار تشكيل الحكومة المقبلة، على أن ينطبق ذلك على معادلة توزيع الوزارات بين فريقي التشكيل، وذلك من دون الإصطدام بأي عوائق تحمل طابع الخلافات «الطائفية أو المذهبية»، خصوصاً في ظل مناخ التوتّر الذي يسود الشارع على خلفية الأحداث والإشكالات التي سُجّلت على امتداد الأسبوع الماضي.
وعليه، فإن الترابط ما بين كل العناوين الداخلية للاستحقاق الحكومي قد أصبح وثيقاً، حيث ان كل ما يتم بحثه بعيداً عن الأضواء، سرعان ما يرشح الى الخارج ويعيد بالتالي النقاش إلى نقطة البداية. وتلاحظ المصادر نفسها، أن تشكيل الحكومة ما زال يحظى بالدعم الخارجي، بصرف النظر عن صورة هذه الحكومة التي سوف تنفّذ مهمة وحيدة وهي إدارة الأزمات ومواكبة المقرّرات الدولية الداعمة للبنان، والتي تعوّل على ولادة الحكومة من أجل الوقوف مع لبنان لإنقاذه بالتعاون مع المؤسّسات الدولية، على أن تتم في وقت لاحق عملية تنفيذ خارطة الطريق الإصلاحية في القطاعات الحيوية كالطاقة والاتصالات على سبيل المثال، نظراً لارتباط هذه الوزارات بالواقع الاجتماعي العام، وتأثيرها في الانهيار الذي تشهده الخدمات في البلاد.
ولا يزال الإنقاذ هو العنوان الرئيسي في كل المباحثات الجارية على المستوى الديبلوماسي، وفق ما تكشف هذه المصادر الديبلوماسية نفسها، والتي تعتبر أن الضمانات الخارجية للرئيس المكلّف موجودة، وهي متعلّقة فقط بتوقيت ولادة الحكومة، على أن تنطلق دينامية خاصة لمساعدة لبنان في المرحلة المقبلة من أجل وضع حدّ لمسار الانهيار السريع الذي يواجهه، والمرشّح لأن يصبح بالغ الخطورة فيما لو استمرّت عملية العرقلة لولادة الحكومة. وتشدّد المصادر ذاتها، على أهمية استمرار عملية التشاور بين رئيس الجمهورية وميقاتي من أجل الانتقال الى هذه المرحلة الجديدة التي ركّز عليها مؤتمر دعم لبنان الدولي الذي أقيم بمبادرة فرنسية في الرابع من آب الجاري، لكنها في الوقت نفسه، لا تنكر استمرار الحاجة إلى تضافر جهود كل الفرقاء، وليس فقط الرئيس عون وميقاتي من أجل التوصل إلى نتيجة إيجابية على الصعيد الحكومي، لأن الانطباعات لدى المجتمع الدولي، كما لدى الشارع اللبناني، تصب في إطار عدم قدرة لبنان على الاستمرار من دون حكومة.
وفي حين لم تتضح بعد صورة اللقاء الأخير بين فريقي التشكيل، فإن المصادر الديبلوماسية، تتوقع حصول اتصالات على هامش المباحثات الجارية في قصر بعبدا من أجل الوصول إلى صيغة تقضي بإبقاء القديم على قدمه في الحصص الوزارية، وتجنّب البحث في أي صِيَغ جديدة لا تحظى بأي تأييد من غالبية الأطراف السياسية الداخلية، وتؤدي إلى إطالة أمد البحث الحكومي.